كل مياه البحر لاتستطيع اغراق السفينة الا ذا تسلل الماء الى داخلها -حكمة
في مراحل النضال الصعبة التي لايمكن حسمها بسرعة يتولى العمل الاستخباري المهمة الاكثر فاعلية: تدمير العدو من داخله، وكلما زادت اهمية العدو زادت اهمية دور المخابرات، لنتناول ثلاثة امثلة تؤكد ذلك:
1-في القضية الفلسطينية اعتمدت امريكا والصهيونية لعبة سرقة الوقت فالتحالف الامريكي- الصهيوني وبعد هزيمة العرب في حرب عام 1967 اقنع انظمة عربية بان (السلام) مع اسرائيل الغربية هو الحل الوحيد وانه يجب ان يمر بمراحل طويلة، وعلينا في كل مرحلة تقديم التنازلات الصعبة من اجل (السلام العادل) طبقا للقرار 242 الصادر عن مجلس الامن،والا نيأس من الحل مهما طالت المفاوضات لان الوضع معقد جدا ويحتاج للصبر. وكانت الانظمة المهزومة تنظر لاي بارقة امل ومهما كانت ضعيفة كمخرج لها من ازمتها، لذلك كانت تقبل الوعود وتتناسى الكذب والخداع الذي مورس معها،وكلما فشل حل،او افشل عمدا لانه جزء من اللعبة ،ابتدعت امريكا لعبة اخرى جديدة لابقاء الامل ب(السلام العادل)، وبنفس الوقت يتزايد تخريب اقطارنا وتهدم اسس دولنا ومجتمعاتنا، ونحن غارقون في امل كاذب باننا في النهاية سنصل ل(لسلام العادل) في فلسطين.
وبعد 55 عاما على التفاوض مع المحتال الامريكي والصهيوني جردنا من قوانا ولم يتحقق اي وعد بالسلام سواء كان عادلا او ظالما! ففي هذه العقود تمت تصفية المقاومة المسلحة وحل محلها الاستسلام الرسمي لاسرائيل الغربية، وصارت الاخيرة لاتطلب الاعتراف بها بل اخذت تفرض ثقافتها ورؤيتها!
2-وتتكرر لعبة خداع العرب والاحتيال عليهم مع اسرائيل الشرقية واذرعها فقد تبنت شعارات قوى التحرر العربية ولكنها اضافت لها تسمية متطرفة تنفّر من فلسطين في العالم وهي (الموت لامريكا واسرائيل)، فرفض امريكا ومعاداة اسرائيل الغربية وهما من مداميك ستراتيجية النضال العربي صارا التكتيك الايراني الناجح المعتمد والذي بقوة تأثيره على العرب خدع الالاف منهم وبقي يصر على ان معركة فلسطين تتطلب عدم اعتبار اسرائيل الشرقية عدوا او (افتعال صراع) معها! فاصبنا بمقتل وتمكنت اسرائيل الشرقية من امرار خططها واتمت السيطرة على اربعة اقطار عربية ! ولكن وبعد اربعة عقود تنكشف لعبة المحتال الايراني رسميا وليس واقعيا فقط وتجسد ذلك في ثلاثة تطورات خطيرة وقعت مؤخرا: الاول اعلان الاتفاقية الحدودية بين لبنان واسرائيل الغربية والتي قدمت فيها اسرائيل الشرقية بواسطة من يسيطر على لبنان وهو حزب الله لاسرائيل الغربية مياها اقليمية لبنانية اضافة لاعتراف الطرف اللبناني باحتلال فلسطين ارضا ومياها ،واكد ذلك حسن نصر الله عندما قال بوقاحة من يسيطر على القضاء والشرطة بانه ينهي تمثيل دور المقاوم لاسرائيل الغربية ويدعو لسلام مستدام معها.
والتطور الثاني حدث في العراق وهو الدعم الحماسي الامريكي لحكومة محمد شياع السوداني التي فرضتها طهران في العراق، وكجزء من التضليل روج جواسيس امريكا او بريطانيا ان امريكا او بريطانيا قررتا طرد اسرائيل الشرقية من العراق وان ذلك سيتم قريبا وكان ذلك لتغطية الاتفاق الايراني الامريكي! والتزامن بين اعلان نصرالله انتهاء الصراع مع اسرائيل الغربية ودعم امريكا لحكومة الفرس في العراق يؤكد مرة اخرى وجود صفقة امريكية ايرانية هدفها اكمال تدمير العراق شعبا وهوية بعد تدمير الدولة الوطنية، وليس هناك طرف اقدر من اسرائيل الشرقية على تحقيق ذلك. اما التطور الثالث وهو الدعم الامريكي للحوثيين فهو يؤكد وجود صفقة اقليمية شاملة،فقد رحبت اسرائيل الغربية بالتطورات الثلاثة واعتبرتها نصرا لها! ثم يكمل الموقف بتصعيد العداء الامريكي للعرب خصوصا ضد السعودية .
3-الخداع الثالث يحصل مع الحزب فقد ابتدأت اجهزة المخابرات بعد غزو العراق بدفع جواسيسها في الحزب للعمل على انهاء البعث بصورة جذرية وابقاء اسمه لتضليل السذج، وحزبنا بصفته القوة الاساسية التي تجهض تنفيذ خطط امريكا والصهيونية واسرائيل الشرقية من البديهي ان يتعرض لاشد انواع التأمر عليه من اجل انهاء دوره ولهذا اضطرت امريكا ان تصدر قانونا من الكونغرس باسم (قانون تحرير العراق) في عهد الرئيس كلتنون، واصدرت القانون الثاني بعد غزو العراق وادخلته في دستور الاحتلال هو (قانون اجتثاث البعث) وهو اعتراف رسمي بان امريكا تعد البعث عدوا لابد من القضاء عليه، وجاء تطبيق اسلوب اجتثاث البعث من داخلة بعد غزو العراق ليكون الوسيلة المخابراتية الاهم لتحقيق هذا الهدف الستراتيجي.
والخطوة الاولى كانت قيام السيد علي السنهوري ونغوله بالتنسيق مع نغول الفرس مباشرة بطريقتين:الاولى بالانتماء لما يسمى (المؤتمر القومي العربي) وهو اخطر اداة ايرانية في الوطن العربي! ولرؤية عمق ورسوخ تجنيد السنهوري من قبل المخابرات الامريكية فان الامين العام عزة ابراهيم رحمه الله طلب منه ومن نغوله الانسحاب من المؤتمر القومي فرفض رغم تكرار الطلب! اما الطريقة الثانية فكانت التوحد مع نظام بشار والذي اعد ليكون تغطية للتبعية للفرس، فقد زار السنهوري سوريا عدة مرات كانت اولها في عام 2008 وتكررت الزيارات وهو ما اشار اليه الامين العام في عدة رسائل كانت حادة طلب فيها من السنهوري ونغوله قطع الصلة بايران ونظام بشار.
ومن متطلبات اجتثاث البعث تصفية القادة والكوادر البعثيين الاصلاء ذوي الموقف الواضح والثابت ضد اسرائيل الشرقية ونغولها العرب ونظام بشار، وهو ما فعله السنهوري ونغوله حيث صدرت قرارات الفصل لعشرات الرفاق خصوصا العراقيين، ووصل الامر ذروته بعد رحيل الرفيق عزة ابراهيم حيث تدخل السنهوري علنا ومزق النظام الداخلي واخذ يعبث بالحزب في العراق وقبل ذلك زرع الفتن في تنظيمات الحزب في الجزائر وتونس ولبنان والاردن والسودان. ولو نظرنا للحزب الان نرى بصمات المخابرات المعادية واضحة فهو معطل عمدا في الوطن العربي والنشاط الوحيد له هو المهاترات والانشقاقات التي احدثها السنهوري تنفيذا لاجتثاث البعث من داخله .
ما معنى كل هذا؟ عشنا اربعة عقود من الخداع المخابراتي ولكن كان كثيرون لايسمعون ولا يريدون الفهم الى ان وقع الفأس في الرأس! ورؤوسنا تنزف دما نرى الان اللعبة وقد انكشفت كلها ولكن بعد اكمال تدمير اقطار عربية واخضاعها لاسرائيل الشرقية وامريكا واسرائيل الغربية وتحييد المقاومة الشعبية بطريقة ما، وتجميد البعث نضاليا والعمل على تفكيكه داخليا،وفرض امر واقع صلب اوصل العرب الى الموت البطيء وفي المقدمة العراق.
ان الدرس الاكبر لكل ما جرى لنا يتمثل في ان البقاء للاذكى وليس لصاحب الحق فالاذكى يستخدم قوة الذكاء في خوضه للصراع فيخطط بدقة لعقود ويهتم اكثر باختراق النفوس وتضليلها بكافة الطرق بما توفر لديه من علوم متقدمة وامكانيات مادية هائلة. ويترتب على ذلك استنتاج مهم جدا وهو ان نهوضنا من كبوتنا ممكن جدا ولكنه رهن بتنمية قدرتنا على فهم ما يجري، وابرز مطلب هو اعتماد طريقة السيناريوهات المتعددة لموضوع واحد فنضع كل الاحتمالات الممكنة حتى ولو بنسبة 10% فخصومنا يحسبون الحساب لاحتمال ال3% ويخططون على اساسه ،وفي اللحظة التي لانهتم باحتمال يبدو ضعيفا نكون قد زرعنا خنجرا في خاصرتنا!
واول احتمال يجب ان ندرسه هو دور المخابرات في اختراقنا فليس عيبا ان نعترف بذلك بل هو الانقاذ بذاته ، ووضع الحزب الكارثي موجودا امامنا وكل مافيه غريب ويبعث على الاعتقاد بان من فعل ذلك جواسيس، الشك طريق اليقين وهو من مظاهر الذكاء وطمره من ابرز مظاهر تجميده.فلنبحث مجددا بما يجري لنا سنرى من اوقد نار الكارثة. الماء تسلل الى سفينتنا من ثقوب احدثها جواسيس بيننا وعلينا سدها بأسرع وقت ومهما كلفنا من ثمن، ولا خيار لنا الا النضال الشامل حتى لو كلفنا ذلك ان نحفر جبل جرانيت باظافرنا، وسنفعل ذلك دون ادنى شك، لا تنسوا نحن بعثيون.