أخبار عاجلة
الرئيسية / منوعات / العسل الأسود .. ثروة تعانى الإهمال حجم إنتاجنا من العسل الأسود«رقم هزيل» يمكن أن يتضاعف 10 مرات وأن نحتل المركز الأول فى حجم تداوله عالميا

العسل الأسود .. ثروة تعانى الإهمال حجم إنتاجنا من العسل الأسود«رقم هزيل» يمكن أن يتضاعف 10 مرات وأن نحتل المركز الأول فى حجم تداوله عالميا

انهارت صناعة السكر من القصب فى مصر وسوريا وقبرص – تاريخيا – بعد سيطرة «الأتراك» على «بلاد المسلمين» من بداية القرن السادس عشر، وكانت أهم بلدان إنتاجه بما جعل أوروبا والعالم العربى يعتمدون عليها فى استهلاكهم للسكر.

وبالنسبة لمصر فان لها تاريخا طويلا مع صناعة السكر ، حتى أنه بعد احتلال الفاطميين لمصر تفنن جوهر الصقلى «القائد» فى استخدامه سكر القصب – الذي اشتهرت به مصر – لصناعة الحلوى من كنافة وقطايف وفطائر أثناء حكمه لمصر والذي دام ثلاث سنوات ، نائباً عن الخليفة الفاطمى ، فأصله كان حلوانيا فى صباه يجيد صناعة الحلوى فى صقلية قبل أن يلتحق كجندى فى الجيش الفاطمى فى «المهدية» عاصمة الدولة حتى نبغ وصار من أهم قوادها، وأوكل إليه الخليفة المنصور بالله قيادة جيشه لاحتلال مصر، وإليه تنسب المقولة الشهيرة «اللى بنى مصر كان فى الأصل حلوانى»، ويقصد بمصر هنا «القاهرة» التى شرع جوهر القائد نفسه فى بنائها عام 960 ميلادية.

وظل فلاحو الصعيد فى مصر بارعين فى زراعة القصب حتى الآن ، فهو يمثل المصدر الرئيسى لإنتاج السكر حتى سنوات قليلة مضت ، حتى تقلصت المساحة المزروعة منه بعد التوسع فى زراعة البنجر ، ولدواع أمنية بعد تزايد نشاط الجماعات الإرهابية فى الصعيد واستخدامهم لحقول القصب وعيدانه للاختباء وإطلاق النيران والقنابل على سيارات الشرطة والسياحة فى عقد التسعينيات، وهو ما جعل الحكومة تنظر بريبة إلى بعض مزارعيه وتعتبرهم مساهمين فى الإرهاب، واعتبار عيدان القصب نفسها إحدى أدوات الإرهاب ، فأمرت بتحديد حرم لطريق القاهرة – أسوان الزراعى ، وكذلك الطرق الفرعية بـ 50 متراً يتم منع زراعته فيها ، فتقلصت المساحة فى محافظة المنيا من 39 ألف فدان عام 1997 إلى 19 ألفا فقط ، وإن ظلت المساحة المزروعة فى محافظة قنا 150 ألف فدان ، وهما المحافظتان اللتان اشتهرتا بزراعة القصب وإنتاج العسل الأسود منه.

وظلت مصر حتى عام 2011 تحتل المركز الخامس فى قائمة الدول المصدرة للعسل الأسود بحصة 5% من حجم تجارته العالمية بقيمة 23 مليون دولار، وإن كان سعر العبوة 250 جراما (ربع كيلو) فى أوروبا يصل الى 5 يوروهات، وتكلفة إنتاج كيلوجرام منه فى مصر 4 جنيهات، أفلا يدفع هذا الحكومة للاهتمام به ودعم العصارات الأهلية ؟ خصوصا أن التناقص المستمر فى عددها وتشريد عمالها وموت بعضهم قد يؤدى إلى اندثار هذه الصناعة ، وإن كانت – كما تقول الدكتورة ماجدة الفولى – المدرسة بالمعهد العالى للهندسة بالمنيا – أن حجم الانتاج «رقم هزيل» يمكن أن يتضاعف عشر مرات وأن تحقق صناعة العسل الأسود فى مصر طفرة كبيرة وتحتل المركز الأول فى حجم تداوله عالميا ، كما يمكن أن تسهم فى بناء أجساد أطفالنا فى المدارس، وتضمن صحة أبدانهم إذا أُضيف العسل الأسود إلى الوجبة اليومية للتلاميذ.

وفى هذا يقول الدكتور محمد إسماعيل، أخصائى طب وتغذية الأطفال: العسل الأسود مفيد جدا للأطفال فى مرحلة النمو، وهو مصدر مهم للطاقة والكربوهيدرات، وبه فيتامينات مختلفة مفيدة، ويحتوى على المعادن الضرورية للجسم مثل الكالسيوم والماغنسيوم والمنجنيز والنحاس والبوتاسيوم والفسفور والكروم. أما بالنسبة للكبار فلا يقل أهمية، كما أنه مفيد جدا لعمليات التخسيس بما تحتوى عناصره من مضادات الأكسدة فى البوليفينول، وهى مادة أثبتت فعاليتها فى الحد من زيادة الوزن، وتعمل على تقليل امتصاص السعرات الحرارية فى الجسم. والكالسيوم يفيد أيضا فى تقوية العظام وعلاج الروماتيزم والتهاب المفاصل، كما أنه يحافظ على استقرار مستوى السكر فى الدم.

مضيفا، أن ملعقتين فقط من العسل الأسود فيهما من الكالسيوم ما يعادل كوبا من الحليب، وإذا كان العسل يحوى كل هذه الفوائد الصحية، أفلا يزداد الاهتمام به ومساعدة أصحاب عصاراته الأهلية – التى لا تزال هى المنتج الأول والرئيسى للعسل – على تحديث عصاراتهم وتذليل العقبات أمام تنمية هذه الصناعة حتى لا تندثر؟ خصوصا وأنها فى تناقص مستمر. ففى محافظة قنا – وهى من أهم مراكز إنتاج العسل الأسود – تراجع عدد العصارات من 1900 إلى 300 عصارة فقط ، أما فى المنيا فقد تقلص عددها من 300 عصارة إلى 116 فقط.

المشكلة الرئيسية التى تواجه هذه الصناعة، كما يقول فتحى غنيم، صاحب إحدى عصارات ملوى، أن أغلبها غير مرخص لأسباب كثيرة منها صعوبة الاشتراطات البيئية والمحلية، وملكيات الأرض، لأن أغلب الأراضى غير مسجلة فى السجل العينى، وأيضا لأن أغلب هذه العصارات أقيم على أرض زراعية، وبالتالى توقف مشروع مساهمة الصندوق الاجتماعى بقروض للتطوير نتيجة عدم وجود تراخيص من الوحدات المحلية. وفى مركز ملوى تراجع عدد العصارات، كما يقول إسماعيل حسن موسى، من 122 إلى 30 عصارة فقط.

وفى دراسة أعدها الدكتور محمد نجيب قناوى بكلية الزراعة بالمنيا، رصد كميات القصب الموردة للعصارات بالمنيا بما يقرب من 375 ألف طن تنتج 44 ألف طن عسل تمثل 73% من الإنتاج الإجمالى للعسل الأسود فى مصر، مؤكدا حاجة العصارات القديمة إلى تطوير، كما تطالب الدكتورة ماجدة الفولى بالاهتمام بهذه العصارات التى تمثل 50% من عددها على مستوى الجمهورية، وكلها تحتاج إلى رعاية ودعم الحكومة، كما تطالب بتشغيل مصنع العسل الذى أقامته وزارة الصناعة بالتعاون مع المحافظة منذ عام 2007 فى «تونا الجبل»، ولم يعمل إلا فى نطاق ضيق وللغير.

عصام بديوى، محافظ المنيا، يقول إن إنقاذ صناعة العسل الأسود وتقدمها من أولوياته ، لذا فإن اهتمامه بدأ من نقل تبعية مصنع العسل الذى أقامته وزارة الصناعة للمحافظة والبدء فى تشغيله بكامل طاقته لصالح المحافظة.

مضيفا: لدينا خبرات متميزة فى صناعة العسل من مهندسين ساهموا فى تعديل بعض العصارات الأهلية فى ملوى، وهو ما سنعمل على تعميمه على جميع العصارات فى المحافظة، وأنه قبل هذا التطوير سيعمل على حل مشكلات أصحابها.

ويطالب عبد الرحمن الداقوفى بتحسين مستوى وجود ونظافة هذه الصناعة، وأهمها الرقابة لتحقيق الاشتراطات البيئية والصحية فيها، وعدم السماح باستخدام الباجاس (المصاصة) بعد العصر كوقود تقليدى لتسوية العسل لتلويثه للبيئة بدخانه الكثيف، فى حين أن هذه المصاصة يمكن استخدامها فى صناعة الخشب أو الورق أو تقديمها كعلف جيد للحيوان.

ويضيف: إن تسوية العسل فى أحواض مكشوفة وغير نظيفة وتركه للتبريد طوال الليل مكشوفا يعنى احتمال تلوثه بالحشرات وغيرها من الملوثات مؤكدة ، فإذا كانت الحكومة جادة فى إدراجه فى تغذية أطفال المدارس أو جادة فى الحفاظ على صحة آكلى العسل بشكل جاد فعليها أن تقوم بحماية هذه الصناعة ورقابتها.

وينصح مستهلكى العسل الأسود بإعادة غليه قبل الأكل لمدة عشر دقائق للتخلص من الملوثات أو البكتريا الضارة التى قد تكون تسربت إليه أو علقت به فى أثناء تبريده.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *