بقلم: الدكتور اسماعيل الجنابي
قوانين المجتمعاتِ مبنية على توارث القيم من جيل لآخر ، وقوانين الحياة يقول ان ينهل اللاحقين ممن سبقوهم في العلم والمعرفة والتقاليد والقيم التي تشكل جداراً صلباً يستند عليه الدول في بناء مجتمعاتها
يبدو الامر عندنا مختلف عن العقود الماضية وخير مثال على ذلك الانحدار الكبير الذي شهده اكثر من عقد ونصف من السنوات العجاف ، صار القدوة لايصلح ان يقتدى به ، والمعلم الذي نقف امامه بأجلال واحترام ، صار مجرد رجل يقف امام السبورة ،
سبعة عشر عاما مضت على وقوع العراق تحت الاحتلال وتفكك الدولة العراقية وإعادة تركيبها بنحو أصابها بعاهات مستديمة.
سبعة عشر عاما مرّت ، ولا زالت الفجيعة تكشّر عن أنيابها ، وتهدد بقبضتها ، وتزمجر في وجوهنا ، وتقذف نيران الهلع ودخان الخوف في نفوسنا .
سبعة عشر عاما شهدت أبشع تزييف قهري لإرادة الإنسان ، وتمخضت عن أكبر لعبة سمجة استهدفت قيم الحياة ، وكشفت زيف النوايا المغشوشة والمبرقعة بأقنعة الوطنية والدين والإنسانية ، وأظهرت حقائق فاقت تصور الأنس والجن .
سبعة عشر عاما وبناءاً على ما تقتضيه المصلحة العامة ، تمّ سرقة أموال العراق ، وعمل الارهاب والمليشيات والطائفية والمفخخات عملها في أجساد أبناء العراق ،
سبعة عشر عاما وشعارات الدين والطائفة والمذهب والعشيرة ، تلوّن سماء العراق ببالونات فاقعة اللون ، وكلما انفجر بالون بفعل سخونة الأحداث ، زكمت أنوفنا برائحة فاسدة لا تمت إلى الدين بصلة ، ولا تعرف المذهب ، ولا تقترب من نخوة العشيرة وأصولها .
سبعة عشر عاما من السنين العجاف ، أكلت الحرث والنسل ، وحرقت الأخضر واليابس ، ولم يعد منهج يتحكم في حياة العراق غير منهج التبرير ، وتقاذف التهم ، وإشاعة الكذب والدجل والتآمر والعمالة والسقوط في آبار الخيانة ، وتحولت الحياة إلى غانية عاهرة لعوب ترتدي ثوب الحشمة والوقار ، وتحت جلابيبها يتقافز ألف زنديق ومنحرف لا همّ لهم سوى الضحك على الفقراء والتلاعب بمشاعر المساكين بشعارات أضحت سخرية لكل شعوب الأرض .
سبعة عشر عاما تحولت فيه براءة الاطفال الى علم غريب فتحوا اعينهم على قيم لم تكن مألوفة ولا معروفة في زمن آبائهم، ولا في أزمان أخرى سبقتها!.
يسمعون أن المسؤولين في الحكومة يسرقون ويهربون، ويتشاتمون فيما بينهم، ويفسدون، يرون كيف يذبح الانسان بدم بارد!، وكيف تتناثر اشلاء الآدميين في الشوارع من غير سبب سوى انهم عراقيون ابتلي بلدهم باحتلال بغيض تسبب به استبداد اكثر بغضا، وساعد على وجوده سياسيون لاهم لهم سوى أن يملأوا سلالهم وجيوبهم من اموال السحت الحرام!!.
أي نشيد يحفظ هؤلاء الصبية وهم يرفعون علم العراق يوم الخميس؟ هل مازالوا ينشدون قصيدة الرصافي الشهيرة:
عش هكذا في علو أيّها العلمُ
فإننا بك بعد الله نعتصمُ
أم ان قدسية العلم قد سُحقت كما سُحق الكثير من القيم؟!.
رحم الله ايام زمان …وبارك الله بكل من يجعل من نفسه قدوة حسنة لأجيال فـُجعت بضياع كل شيء!.