بقلم: أحمد سلام_
مؤلف ، ملحن ، موزع ، مطرب ، منتج ، نقابة ، رقابة !
هؤلاء هم منْ يساهمون فى تأسيس واقع موسيقى جديد بلا هوية ، وتقديم كلمات غير أخلاقية صادرة من مستنقع الألفاظ الجنسية الرديئة التى أصبحت منتشرة الآن فى الشارع المصرى ولا تواكب الواقع الذى نعيشه ، ولا تليق بالشعوب العربية .
لقد فوجئت بفتاة لا تتجاوز الثانية عشرة من عمرها ، وهى تردد بعض الأغانى التى يطلقون عليها أغانى المهرجانات، وعندما دار النقاش معها حول هذا النوع من هذه الأغانى قالت: أنت تعترض على هذه الأغنية ، فما بالك إذ سمعت أغنية (زقو زقة) وغيرها من الأغانى التى أخجل من أن أذكر أسمها ، وعندما طلبت منها أن تخبرنى بكلماتها قالت: أنا لا أردد هذه الكلمات أمامك ، ولكن نغنيها فى المدرسة أناوصديقاتى.
عندما بحثت عن الأغنية فى اليوتيوب وسمعتها، وأنا أخجل أن أكتب كلماتها ، أدركتنى الحيرة حول هذه الأغنية وما تحمله من كلمات أقل ما يمكن أن تصفها به هو بأنها .. رديئة وحقيرة ، وما تحتويه من ألفاظ وإيحائات جنسية ، والغريب هنا أنى لاحظت أن الكثير يدافع عن هذه الأغانى ومنهم من أهل الفن ، بدافع ليس مقنع نهائاً وهو، أنهم شباب يحاولون الإبداع فى شئ جديد ، أفضل من البطالة أو الجلوس على المقاهى أو أنهم يتاجرون فى المخدرات أو..! أو..! محاولات لتبرير ما يقومون به تحت اسم الفن والإبداع ، أو أن الدولة عاجزة عن توفير العمل لهم .
الوضع سيتدهور من سيئ إلى أسوأ ، إذ استمر الدفاع عن الفنون الهابطة وهذا النوع من هذا الغناء الذى يدمر الزوق العام ، هل هؤلاء لا يعلمون أن النوع من هذه الأغانى هو أشد ضرراً من المخدرات تأثيراً على المجتمعات، والتى تؤدى أحياناً إلى تخدير جوارح الإنسان، وتعمل على توظيفها فى الأهواء والشهوات عند سماعها؟
لقد وقفت عدة دقائق أتامل مقولة الموسيقى الألمانى ، روبرت شومان الذى قال .. إذا أردت أن تتعرف على أخلاق الشعوب فاستمع إلى موسيقاها! حقاً الموسيقى تعكس حضارات الشعوب وتقاليدهم النبيلة أمام العالم.
أنا أؤمن بأن الأغنية ليست صوتاً جميلاً فقط ، إنما هى بحاجة إلى الكلمة الجميلة التى تعبر عن حالة يعيش أحداثها المستمع كما كنا نشعر عند سماع كوكب الشرق أم كلثوم وغيرها من المطربين الحقيقين ، والصوت القوى الذى يتجاوز كل الحدود بين البلدان ، وأهل موسيقى وتلحين يخترقون قلوب وحواس المستمعين بألحانهم ، ويؤمنون بأن الفن هدف ورسالة تستهدف شعوب وأجيال قادمة ، وليس مجرد السعى وراء المال فقط.
ومنذ أن سمعت هذه الأغانى سألت نفسي ،،، منْ المسؤل عن انتشار هذا النوع من هذه الأغانى ؟ هل المؤلف أم الملحن ، أم الموزع ، أم المطرب ، أم المنتج ، أم النقابة ، أم الرقابة؟ جميعهم مشتريكون فى هذه الجريمة.
ولكن المسؤلية الكبرى تقع على عاتق الجمهور الذى يدعوهم فى حفلات الزواج وغيرها من الحفلات ، فإن امتنع الجمهور عن دعمهم سيمتنعون عن ما يقدمونه، ولو أحس صناع الأغنية أن هناك رفض لهذا النوع من الأغانى والتعطش للأغانى الجادة ، لكان المؤلف الجيد قد ظهر وتألق ، وكذلك الملحن الجيد ، وأيضا المطرب الجيد ، ولكن صناع الأغنية الجيدة يتراجعون ، وبالتالى نجحت الأغانى الهابطة وزادت مبيعاتها وكسب أصحابها الملايين ، وهذا هو الواقع الغنائى اليوم ، كلما كنت شاذاً وغريباً ، كلما كنت ناجحاً .
وعندما دار النقاش بينى وبين صديقى الموزع الموسيقى مصطفى أبو رية ، ما يقارب ساعة حول هذا الموضوع ، وسألته عن رأيه فى هذه الأغانى المنتشرة التى أصبحت كلماتها أشد جرأة وحدة فى الألفاظ الجنسية الصارخة ، ممن يسمون أنفسهم مطربى وما هم بمطربين ، وسألته أيضاً عن مستقبل الأغنية الجادة ، هل سينتهى الحال الغنائى إلى هذا الوضع المؤسف والمؤلم؟ قال فى كلمات مختصرة ، إن هذا النوع من الغناء ما هو إلا فيروس منتشر ويزيد انتشاره كل يوم عن الأمس بدون مضاد ، ولا يوجد أى بوادر مقاومة لهذا الفيروس ، وهذا ما تسبب فى قتل الكلمة واللحن والإبداع الموسيقى .
إن الخريطة الغنائية اليوم ، أصبحت خريطة بلا حدود ، ليس لها ضوابط ، لذلك لابد وأن تتصدر النقابة والرقابة لمن يصنعون هذا النوع من الأغانى ، وإصدار القوانين الصارمة ضد هؤلاء ، ولو لزم الأمر بعقوبة السجن ، لمن يشارك فى صناعة الأغانى التى تشكل خطراً على ثقافة الأجيال المقبلة والحالية ، وإن كان المسؤلين فى النقابة والرقابة غير قادرين على التصدى لمثل هذه الظاهرة ، لابد وأن يتركون مناصبهم لمن هو الأفضل.
ومن الآن أعتقد أن علينا النظر إلى ما ننتج من موسيقى وفنون فى بلادنا ، وعلينا أن نهتم بنوعية الأعمال الموسيقية التى نقدمها ، إن مصر عريقة بفنونها ، وعلى كل منْ يسمون أنفسهم مطربين ، عليكم باستخدام الكلمات التى تعبر عنكم، وابتعدوا عن الابتذال والعنف والإسفاف والألفاظ التى لا تليق بمجتمعنا ، والإيحاءات غير الأخلاقية.