أصوات خطوات المارة تعلو بين الحين والآخر، مشاحنات بين المستهلكين وأصحاب المحال على أسعار السلع المعروضة، وغيرهم مما اكتفوا بمشاهده لافتات المنتجات المعروضة في النوافذ الأمامية للمحال.
فرغم كونه الشارع الأشهر لترويج جهاز العرائس إلا أنه بات يعانى ضعف حركة البيع والشراء بعد انتشار مخاطر تعويم الجنيه، والذي أصاب الأسواق المحلية بحالة غليان وارتفاع الأسعار.. هكذا هو حال سوق «حمام التلات» الخاص بتجهيز العرائس، في منطقة الموسكي بالعتبة.
أوانٍ مختلفة الأشكال تزين سوق حمام التلات على الجانبين، كؤوس متراصة بشكل هندسي لجذب انتباه المستهلكين، أدوات كهربائية متنوعة، وأشكال عديدة من الملاعق، والأواني تنتظر عروسة جديدة تهرع لتجهيز نفسها من أجل «عش الزوجية».
وفور أن تطأ قدماك مدخل السوق والذي يعود تاريخه لسنوات طوال، تجد الفتيات بصحبة أمهاتهن من جميع الأعمار، ومن جميع الفئات المجتمعة سواء أغنياء أو متوسطي الحال أو غيرهم من البسطاء، يتجولن في المحال وأعينهن بين الحين والآخر تراقب لافتات الأسعار المعروضة والتي أصابتهن بحالة من الدهشة الشديدة بعدما علمن أن الأسعار زادت بنسبة لا تقل عن الـ200%.
حالة من الاستياء والضيق انتابت أصحاب المحال في سوق «حمام التلات»، بسبب الركود وجعل الكثير منهم يقررون تبديل نشاطهم بعد تعرضهم لخسائر فادحة، وأغلق البعض منهم محلاتهم خصوصا إذا كانوا مستأجرين، بعد أن استدانوا آلاف الجنيهات.
حسن سلامة، بائع، يقول إنه بدأ تجارته في «حمام التلات» منذ 10 سنوات، حيث كان السوق الأشهر في ترويج جهاز العرائس، سواء من أدوات كهربائية، أو أي مستلزمات أخرى، ولكن منذ شهور عدة أصيب السوق بحالة من الركود بعض الشيء خاصة بعد ثورة 25 يناير.
وأضاف: «ناس كتير خسروا في الثورة بعد ما تكسرت محلاتهم وتعرضوا للسرقة، وبعد انتشار الأمن مرة أخرى، فوجئوا بأن حجم الخسائر فاق مئات آلاف الجنيهات»، يشير صاحب الثلاثين عامًا إلى أن التجار حاولوا جاهدين أن يستعيدوا نشاطهم مرة أخرى، لإعادة الروح من جديد لسوق «حمام التلات». مؤكدا عودة الحياة للسوق وبات يكتظ بالزبائن، كعادته منذ عشرات السنوات، حتى بعد ثورة 30 يونيو.. لكن عادت نفس الأزمات مرة أخرى وكأنه مسلسل يعيد مشاهده المرة على أصحاب المحال».
وقال: «لجأ بعض الشركات بعد الثورة إلى رفع أسعار المنتجات الخاصة، وهذا كان بداية أزمة سوق حمام التلات.. الأسعار ارتفعت، ونحن كأصحاب محال صغيرة أصبحنا مجبرين على رفع السعر حتى نعوض خسارتنا.. لكن هذا أثر على حركة البيع والشراء».
«مش بس أزمة الدولار.. دا كمان رفع أسعار البنزين».
بهذه الكلمات استهل محمد هاني، بائع في سوق حمام التلات، حديثه، مشيرًا إلى أن التجار الكبار باتوا يمارسون فرض أسعارهم العالية بحجة الدولار تارة، وارتفاع أسعار البنزين وتكلفة الشحن والتفريغ تارة أخرى، وتبدل حال السوق بعد ارتفاع الأسعار بنسبة 200%.
وأضاف: «السوق ده ماكنش كدة خالص، من 9 الصبح تلاقي حشود من السيدات وبناتهن أمام أبواب المحلات علشان يشتروا حاجة الفرح وبأي أسعار ومافيش فصال لكن دلوقتى الحال تبدل، بنقعد اليوم كله مافيش زباين ولو جات واحدة تتفرج على الأسعار وتمشي».
وأشار سعيد صابر، صاحب محل بيع منتجات منزلية، إلى أن الاستقرار في الدولة سياسيًا واقتصاديًا يعد حلاً لعودة حمام التلات لحركته القديمة فى البيع والشراء ، فهو يشتهر أكثر من أى مكان آخر بمستلزمات العرائس المنزلية والتى تتسم بجودة الصنع وتفاوت الأسعار.. فمن يريد المنتجات الغالية يجدها هنا ومن يريد المنتج الضعيف أيضا يجده هنا.
وتابعت كاميرا «الوفد» جولتها الميدانية داخل السوق، لترصد حركة «صبيان المحل»، والذين يتجولون بين الحين والآخر، لجذب الزبائن للمحال، فمنهم من يقول إن المحل التابع له لديه تشكيلا ت لمنتجات لم يرها أحد من قبل، وآخرون يقولون إنه يقوم بعمل خصومات هائلة على جميع المنتجات، وبعد أن يستجيب لهم بعض الزبائن ويذهبوا للمحل، يصابوا بحالة من الصدمة بعدما يجدون أن الأسعار مرتفعة بنسبة 200%، وكل ما كانوا يرددونه أمام المحال مجرد سبوبة لجذب المارة إليهم.
وفي المقابل عبرت العشرات من السيدات اللاتي قصدن السوق من أجل تجهيز بناتهن للعرس عن غضبهن بعدما فوجئن بأسعار المنتجات التي زادت أضعافًا.
زينب فتح الله، قالت: «بنتى فرحها بعد 15 يوم ومش عارفة أعمل ايه الأسعار كلها يابني زادت أصعاف وبنتى لازم أجهزها من كل حاجة بس الفلوس مش هتكفي، فعلشان كده ممكن بس نشتري الحاجات الأساسية بس وبعدين نبقى نشتري الحاجات الفرعية بعد الفرح بس علشان نعرف نجيب حاجة في ظل الأسعار المرتفعة دي، بصراحة جواز البنات قطم وسطنا في الفلوس».
وأضافت: «أنا معايا 4 بنات جوزت منهم 3 ودي الأخيرة معايا مش عارفة حظها وحش معايا ليه، اخواتها كلهم جبتلهم كل حاجة قبل الفرح بشهور بس الحاجات كانت رخيصة مش غالية أوى كده، كل الأمهات دلوقتي لو مكانتش محوشة قرشين من الأول مش هتعرف تجهز بنتها كويس».
الأمر نفسه أكدته فاطمة عدوي، إحدى الزبائن والتي قالت إنها منذ سنوات وهي تقوم بتجهيز بنتها الوحيدة ليوم العرس، فكانت تتردد على السوق لشراء المستلزمات بنظام القطعة.
فبين الحين والآخر تجري جولتها بصحبة نجلتها وتقوم بشراء ما يلزمها بحسب ما لديها من المال المتوافر، ولهذا لم تشعر بأزمة العشرات من الأمهات اللاتي يقمن بتجهيز بناتهن للعرس.
وعن طبقات الزبائن المترددين على السوق قالت: «زبائن السوق مش لازم يكونوا من الطبقات الفقيرة لا طبعاً، كل الفئات بتيجي هنا وبتشتري، وده لأن السوق فيه كل الأذواق، وكل مستويات المنتجات وكل واحد على قد فلوسه يشتري».
وقالت فوزية طاهر: «أنا مش معايا غير اللي يكفي شراء اللوازم الأساسية لبنتي، علشان الأسعار المرتفعة دى وكل التجار بيفرضوا أسعار على مزاجهم علشان مافيش رقابة عليهم».
وطالبت صاحبة الأربعين عامًا، الحكومة بتشديد الرقابة على الأسواق المحلية لضبط الأسعار ومواجهة غول استغلال التجار لهن