أخبار عاجلة
الرئيسية / عربي / الحلقة الأولى – معاداة القومية العربية: لماذا ومن مهندسها ؟ .. صلاح المختار

الحلقة الأولى – معاداة القومية العربية: لماذا ومن مهندسها ؟ .. صلاح المختار

لانهاء الاتحاد السوفيتي يجب تهديم اسفل جداره – بريجنسكي
معاداة القومية العربية ظاهرة تبلورت بقوة منذ خمسينيات القرن الماضي عندما نهضت الامة كلها من المحيط الاطلسي الى الخليج العربي تدعو للوحدة العربية ورفض التجزئة، وتؤكد على ان امتنا العربية محكوم عليها بالفناء اذا لم تتوحد وبأسرع وقت، وبقوة هذه النهضة الجبارة اقيمت اول وحدة عربية في العصر الحديث في عام 1958 بين مصر وسوريا بعد ان اشعل العدوان الثلاثي البريطاني والفرنسي والاسرائيلي على مصر في عام 1956 المشاعر القومية العربية في كل الاقطار وخرجت الملايين تهتف: (من المحيط الهادر الى الخليج الثائر لبيك عبدالناصر)، فنهض العرب كما لم ينهضوا منذ قرون قوة جبارة اكتسحت الكثير من السدود ،وهو ما ارعب الغرب الاستعماري والصيهونية، وكل هذه القوى اتحدت لاجهاض النهوض القومي العربي بكافة الوسائل والصيغ، واخذت الخطط تنفذ واحدة بعد الاخرى حتى وصلنا الى عام 1967 بتدبير الحرب الاسرائيلية المدعومة كليا من الغرب على مصر وسوريا والاردن وتم غزو سيناء والضفة الغربية وغزة والجولان من قبل اسرائيل الغربية المقامة في فلسطين المحتلة.
وهكذا بدأت رحلة التراجعات العربية مقابل الهجوم الكاسح لقوى الغرب الاستعماري والصهيونية خصوصا بعد رحيل عبدالناصر وصعود السادات، وكان الجهد الرئيس في خطط الغرب والصهيونية منصبا على محو القومية العربية واحلال القطرية محلها، فكانت الساداتية بداية تلك المرحلة من النضال العربي فظهر شعار (مصر اولا) ثم تبعتها انظمة اخرى رفعت نفس الشعار وكان ذلك محاولة تمهيدية لمحو القومية العربية!
ورغم ان مرارة الهزائم والخسائر الضخمة للعرب كانت توفر مبررات ظاهرية تحرك النزعة القطرية وتدعمها لدى البعض فان التغيير الشامل لم يحصل وبقيت للقومية العربية قوتها وجماهيرها مقابل ظهور كتل صغيرة ولكنها مدعومة من الغرب وتحت تصرفها اعلام متطور جدا ومال كثير وخبرات عالمية سخرت كلها للتشكيك بالقومية العربية وان تراجعات العرب سببها القومية العربية! واخذت تظهر نزعات انفصالية من الاقليات وزاد الامر خطورة عندما تجاوز الامر الاقليات الموجودة في الوطن العربي الى تنفيذ خطة محاولة تفكيك هوية الشعب العربي الواحدة ذاتها بالعمل على تحويلة الى شراذم متناحرة على اسس عنصرية او تاريخية، فظهرت دعوات احياء الفرعونية في مصر والامازيغية والافريقية في المغرب العربي، والاشورية والسومرية والبابلية في العراق والكنعانية في سوريا ولبنان …الخ، فكانت صورة الوطن العربي في السبعينيات وعلى منابر الاعلام الغربي والصهيوني تبدو ظاهريا كانها فسيفساء تتناثر تلقائيا!
وكلنا نعلم منذ ذلك الوقت، والذي لم يعلم وقتها عرف فيما بعد، ان كل تلك التطوارت السلبية كانت خطوات تنفيذية رسمية للمخططات الغربية الاستعمارية والصهيونية وكان عنوانها الصريح هو (محو القومية العربية) عبر شيطنتها وتحميلها كل الاثار السلبية لما واجهته الامة العربية وابرز مشروعين هما مشروع برنارد لويس لتقسيم الاقطار العربية، ومشاريع اسرائيل الغربية التي لخصها عوديد ينون في (ستراتيجية لاسرائيل في الثمانينيات) وكلاهما قامتا على دعم الاقليات ودفعها للانفصال، والسبب في العمل على شيطنة القومية العربية هو لانها مصدر قوة العرب ولحمتهم العضوية وليس السياسية فقط، ومع ذلك وايضا نتيجة لانهيار السد العربي فان هناك كتل وجماعات تجرأت على المحضور واخذت تتعاون علنا مع الصهيونية والغرب ضد الامة العربية سواء بصفتها اقليات قومية او دينية، او جماعات تدعو لاحياء جذورها سواء كانت جذورا مزيفة صنعتها المخابرات الغربية والصهيونية كالامازيغية،او حقيقية كالجذور الفرعونية والاشورية والكنعانية وغيرها،لكن الاخيرة هي جذورنا الاصيلة التي تعود لاجدادانا وهي ليست غريبة عنا فنحن احفاد الفراعنة والبابليين والكنعانيين، ولكن المخطط تعمد الغاء صلتنا العضوية بالقومية العربية. فتصدينا بقوة المنطق وحقائق التاريخ والواقع الفعلي لكل تلك المحاولات لتزييف التاريخ، وكان للعراق تحت قيادة البعث دورا رئيسا في لجم هذه التيارات.
كان الوضع العربي طوال فترة الصراع تلك وحتى غزو العراق يتميز بوجود قوة قومية منتشرة في الوطن العربي مركزها العراق تدحض وتهشم منطق الغرب والصهيونية واسرائيل الشرقية(ايران) التي اضيفت لهما في مجرى الصراع،ولكن بعد غزو العراق وتدمير اكبر نظام قومي عربي تراجعت القوى القومية وحوصرت ومنعت رموزها ومفكريها وقواها من التعبير عن رأيهم وفسح المجال للاقليات الحقيقية او المفترضة ان تعمل بقوة ضد القومية العربية بعد توفير امكانات هائلة مادية وفنية لها، لذلك طفت على السطح كل تلك الفقاعات السرطانية من موريتانيا حتى اليمن ، واقترن ذلك كله بتحويل بعض تلك الجماعات الى قوى مسلحة تعمل وهي تقيم اقوى العلاقات مع اسرائيل الغربية والغرب على الانفصال عن الاقطار العربية بقوة السلاح كما في السودان والعراق وسوريا .
هذا المخطط استقرت اركانه على المحاور الرئيسة التالية :
1-هناك دعم هائل صهيوني وغربي اعلامي وثقافي ومادي ومخابراتي وسياسي للاقليات تحرضها على الانفصال او ادعاء (انهم هم السكان الاصليون وان العرب محتلون جاءوا من جزيرة العرب)!
2-الادعاء بان القومية العربية مستنسخة من القوميات الاوربية حديثة الظهور ولا تصلح لتكون رابطا بين شعب متعدد الاصول كالعرب.
3- ان القومية العربية ايديولوجيا تستخدم لاهداف سياسية.
4-ان الاسلام هو رابط ديني ويمكنه التوفيق بين تلك (الشعوب) التي تسكن الوطن العربي بعد ضرورة التخلي عن (اوهام القومية العربية).
5- القومية العربية اضطهدت الاقليات ولم تعترف بها وحاولت محوها وتعريبها بالقوة سواء في عهد عبدالناصر او البعث.
ما العمل وكيف نواجه هذه الخطة بنجاح؟
سنستأنف نضالنا القومي الفكري بعد توقف اضطراري بتناول نماذج من الدعايات المنتشرة اعلاميا واكاديميا وسنبدأ بما كتبه كاتب سعودي هو السيد تركي الحمد ليس لانه اشهر من كتب في ذلك فهو مقلد لاراء كتاب غربيين واسرائيليين، بل لانه سعودي والسعودية تمر بمرحلة انتقال نوعي في تركيبتها الفكرية واهدافها الستراتيجية تختلف نوعيا عن سياساتها في العقود الثمانية السابقة وينسحب ذلك على تحالفاتها الاقليمية والدولية، وما يجب او يوضع في كل لحظة امام نواظرنا هو ان السعودية تمر في حالة تحول جذري خطير وهو وضع يفرض على كل عربي خصوصا على كل سعودي ان يحسب اكثر من مرة ما يقوله عنها او فيها، وبغض النظر عن رأيه فيها قبل سنوات او عقود، فالوضع تغير جذريا وقواعد التفكير والعمل انقلبت ولم تعد السعودية هي ذاتها سعودية القرن العشرين.فهل كان السيد تركي الحمد واعيا لما كتبه ولمدى خطورته على السعودية قبل غيرها وعلى مشروع الامير محمد بن سلمان التحديثي وهو مشروع وطني سعودي سواء تم الاعتراف بذلك او نفي؟ ووطنية مشروع بن سلمان لابد ان تفضي الى قومية مشروعه لان الوطنية السعودية عربية الاصل والهوية وليس فيها اقليات قومية ،وهي بالتالي تقع في قلب القومية العربية التي تعد بحق التعبير الوجودي عن بشر لهم لغة وتاريخ وتقاليد وارض واحدة، والا فبأي هوية يعرف السعودي نفسه؟
وانا حينما اكتب ذلك لابد من التذكير بانني مناضل بعثي اشتراكي وهو منظور مختلف مع منظور الامير محمد بن سلمان ولكن هذا اافختلاف ليس هو الموضوع الاهم بل الاهم هو وحدة الموقف العربي تجاه التحديات الخارجية التي تضع كل الاقطار العربية على حافة الفناء كما نراه الان، لذلك فالاشتراكي البعثي والرأسمالي السعودي ماداما ينطلقان من مصلحة الامة والوطن ويناضلان لحمايتهما فانهما في معسكر واحد ويحشدان قواهما للدفاع عن الامة، وفي هذه المرحلة ندافع عن مشروع بن سلمان التنويري والتحديثي والاستقلالي- وبغض النظر عن تحفظات هنا او هناك فيه- وهي مهمة مشرفة لنا نحن الاشتراكيون العرب، فالامة تحتاج لافق واسع ونظرات واقعية تحسب الحساب لكل موقف ونتائجه وليس فقط لمقدماته، الامر الذي يجعلنا ومن اجل الامة العربية كلها نؤمن بوطن عربي واحد بانظمة اقتصادية وسياسية مختلفة ، والمثال الصيني يقدم لنا صورة ناجحة فالصين نجحت في اقامة وطن واحد بنظامين مختلفين رأسمالي واشتراكي بعد عودة هونك كونج ومكاو لها وفيهما نظام رأسمالي بقي كما كان ولكن تحت مظلة الصين القومية.
هذه ملاحظة جوهرية تشكل انعطافة في طريقة تفكيرنا نحن العرب الذين كنا نتمسك بخيار واحد ونرفض الاخر المختلف معنا ولكننا تعلمنا من تجارب واقعنا وواقع العالم وما واجهناه من كوارث ان نتقن فن تحديد الاولويات، خصوصا وان نمط التفكير الواحد الذي ساد الامة العربية ادى الى فشل كثير من تجاربنا وانخرطنا في صراعات مهلكة لنا جميعا بينما كان ممكنا ان نقيم الوحدة العربية او الاتحاد العربي مع مراعاة وجود انظمة مختلفة فلا تتم الوحدة بالقوة ولا بالالحاق بل بالاختيار الحر لكل قطر عربي مع المحافظة على النظم الاقتصادية والفكرية فيها، وطبعا لابد من تعديلات تضمن سد الثغرات التي يتسلل منها الاعداء كالفقر والامية وغياب العدالة، وهي تعديلات ممكنة.
فكيف يمكن تحقيق ذلك ؟ وكيف ندحر مخطط تفتيت امتنا ومحو واضعاف هويتنا قوميتنا العربية ؟ يتبع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *