يحتفل لبنان اليوم بالعيد الـ73 للجيش اللبناني، برفع شعارات وإلقاء خطب رنانة تؤكد ضرورة دعمه وتسليحه، وتشيد بدوره في تحرير الجرود قرب الحدود مع سوريا من مسلحي داعش والنصرة.
لكن وعلى الرغم من الإطراء والمديح الذي يتلقاه الضباط والجنود في عيدهم، فإن الجيش اللبناني لم يحصل منذ نهاية الحرب الأهلية عام 1990، على موازنة دفاع تسمح له بشراء أسلحة جديدة أو صيانة معداته القديمة (90 في المئة من موازنة الجيش مخصصة للرواتب والإدارة).
لذلك ما زال الجيش اللبناني يعتمد في صورة أساسية على المعدات المستهلكة والقديمة التي يقدمها له بعض الدول على شكل منح، وفي مقدمة هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية.
لذلك يواجه الجيش مشاكل في المحافظة على الجهوزية الميدانية بسبب تكلفة صيانة معداته القديمة والمستعملة، مما يؤدي إلى وقف استعمال أجزاء كبيرة منها بعد مدة قصيرة من تسلمها بسبب أعطالها وعدم توفر اعتمادات للصيانة، فيستخدم الجيش مكوناتها كقطع غيار للمعدات التي ما زالت قيد الاستعمال.
ويملك الجيش اللبناني سلاح مدرعات قديما جداً ومتهالكا يضم حوالى 300 دبابة قديمة من طراز تي- 54/ 55 روسية الصنع، ومن طراز ام-48 أمريكية الصنع، وعددا قليلا من مصفحات البنهارد الفرنسية الصنع. وكون سلاح المدرعات هو العمود الفقري للجيوش، فإن تجديده يعتبر أولوية ملحة.
يبلغ عديد الجيش اللبناني نحو 60.000 ضابط وعنصر، وإذا قسمنا هذا العدد على عدد سكان لبنان(4 ملايين نسمة) نحصل على نسبة جندي واحد لكل 66 مواطنا، وهي أعداد كافية بالمقارنة مع نسب أعداد الجيوش في العالم. فنسبة الجيش الكندي هي جندي واحد لكل 538 مواطنا، ونسبة الجيش الأمريكي هي جندي واحد لكل 130 مواطنا، ونسبة الجيش المصري هي جندي واحد لكل 162 مواطنا. مما يعني أن المشكلة ليست بالعديد بل بنقص العتاد المتطور.
من غرائب القدر أن الحكومة اللبنانية أقدمت قبل سنوات قليلة على بيع سرب طائرات ميراج 3 E الفرنسية الصنع التي كان يملكها الجيش، بحجة عدم وجود مال للصيانة ولشراء قطع الغيار، مع العلم أن هذا النموذج قديم وقطع غياره متوفرة ورخيصة الثمن، وكان من الممكن صيانة الطائرات بأسعار منخفضة. ولنفس الأسباب تم رفض الهبة الروسية من طائرات الـ MIG-29، وهي طائرات جديدة ومتطورة والسبب المعلن كلفة صيانتها العالية.
وعلى الرغم من محدودية قدرة سلاح الجو اللبناني (طائرتان سيسنا 208 كارافان هبة من الولايات المتحدة)، فقد لعب دوراً فاعلاً في شل وتدمير مجموعات مسلحي “داعش” خلال معارك الجرود الأخيرة، ولا سيما قرب بلدة عرسال الحدودية. فقد قامت هذه الطائرات بعمليات رصد وضرب لمواقع مسلحي داعش والنصرة واستطاعت أن تضرب بصواريخ هيلفاير عن بعد خمسة كيلومترات مراكز المسلحين وآلياتهم. كذلك قامت بتصوير تحركات المسلحين (الطائرات مجهزة بكاميرا MX-15D للمراقبة) حيث عملت مدفعية الجيش على دكها وضربها.
حقيقة أزمة الجيش في لبنان تكمن في السياسة وليس في كفاءة هذا الجيش الذي أثبت مرارا وتكرارا قدراته القتالية العالية، سواء في مواجهة جماعة الشيخ أحمد الأسير المتطرفة في صيدا، والتي تمكن من تصفيتها خلال أقل من يومين، أو في هزيمة مسلحي داعش والنصرة في الجرود الوعرة بين لبنان وسوريا الصيف الماضي.
الدولة اللبنانية لم تدفع مبالغ جدية لتسليح الجيش منذ ثمانينيات القرن الماضي، واكتفت بالاعتماد على الهبات. فليس صحيحا أن هناك مؤامرة لمنع تسليح الجيش اللبناني وتزويده بأسلحة حديثة وطائرات. فوزراء الحكومة اللبنانية هم من باعوا طائرات ميراج 3 E التي كان يملكها الجيش اللبناني، وهم من رفضوا الهبة الروسية المؤلفة من 10 طائرات MIG-29.
لعب الجيش اللبناني رغم افتقاره للسلاح الحديث، دورا هاما في دعم المقاومة ضد احتلال إسرائيل لأراض لبنانية، فالجيش الإسرائيلي ما يزال متمركزاً في مواقع لها أهمية كبرى استراتيجياً واقتصادياً، وعلى رأسها مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وبلدة الغجر الحدودية. ويتولى اليوم الجيش والمقاومة الدفاع عن لبنان وأرضه وبحره الغني بالثروات النفطية والغازية منذ انتشار الجيش في الجنوب لأول مرة منذ 30 عاما.