ليس بالأمر الغريب ألا يطوع المرشحون للانتخابات الرئاسية الفرنسية -فى دورتها الراهنة-القضايا التى اعتدنا عليها خلال الحملات السابقة، التى غالبا ماكان المسلمون كبش فداء لها، ووليمة شهية لجذب اصوات الناخبين الممتعضين من الوجود الأجنبى على أراضيهم، وخاصة العرب والافارقة.
حيث نلمح تلك المرة ان اجندات المرشحين لم تتخذ من قضايا الإسلام والمهاجرين محورا أساسيا، كما كان المتبع خاصة من قبل الجبهة اليمينية المتطرفة بزعامة جون مارى لوبن الأب المؤسس للحزب، او لزعيمته الحالية المرشحة الرئاسية مارين لوبن الابنة.
وبنظرة تحليلية نرى أن المرشحين ادركوا ان هذه الشريحة المستهدفة حتى لو كانت أقلية فى المجتمع أصبحت جزءا من نسيجه من ناحية، ومن ناحية أخرى هناك قضايا أضخم اصبحت تهدد أمن المواطن وتعكر صفو حياته وهى التى يجعل منها أولوياته، وبدون شك تتصدرها الأحوال الاقتصادية والتدنى المعيشى والامن ومكافحة الارهاب. لذلك نرى مرشحى الرئاسة الفرنسية المحتمل لهما التنافس فى جولة الحسم مايو المقبل، يلعبان على محورين رئيسيين الاقتصاد، وتوفير الامن.
الاولى مارين لوبن عن الجبهة اليمينية المتطرفة وهى تلعب على وتر توفر الامن، والهوية الوطنية، ومكافحة الهجرة غير الشرعية ، وبعض القضايا العالقة فى الاتحاد الاوروبي، والخاصة بالبطالة والتأمينات الاجتماعية والصحية، فضلا عن طموحها فى العودة الى العملة الوطنية لفرنسا»الفرنك».
اما المرشح الثانى فهو وزير المالية السابق ايمانويل ماكرون الأوفر حظا -حتىالآن- للوصول للرئاسة خلفا للرئيس الاشتراكى الحالى فرانسوا اولاند.وهو الذى تمنحه استطلاعات الرأى فرصا أوسع للفوز من منطلق طرحه حلولا اقتصادية يطمح اليها الناخب. ومن هذا المنطلق وبالرغم من الاختلاف الكلى لسياق الانتخابات الراهنة عن نظيرتها فى السالف فإن الحملات الانتخابية والجدال الساخن الحالى ينأى بالناخب عن حزمة قضايا، حتى عن الازمات الخارجية، ايا كانت سواء «داعش»او الازمات العالقة بمنطقة الشرق الأوسط .
فالناخب الفرنسى -حاليا- ضاق ذرعا من السياسات القديمة والمتكررة، التى لا تثمر سوى مزيد من تدنى فى مستوى المعيشة. فهو لايعنيه سوى لقمة العيش والامان الداخلي، خاصة بعد ما فتحت عليهم حقبة الرئيس نيكولا ساركوزى باب الارهاب على مصراعيه، وهو ماحصد تداعياته ساكن الاليزيه الحالى فرانسوا اولاند فى اسوأ فترة رئاسية من النواحى الأمنية،وبالطبع دفع فاتورتها المواطن اثر حزمة هجمات ارهابية لم تشهدها البلاد من قبل.
وبالرجوع لهذه الحقبة الرئاسية (2007-2012) والتى جلبت على فرنسا ودوّل عدة مصائب شديدة، نُذكَّر فى نظرة سريعة لاهم أحداثها، حيث كان الرعايا الفرنسيون يتعرضون لعمليات خطف واحتجاز خارج الحدود، والمؤسف أن اغلبها كانت تنتهى بقتلهم، أو اضطرار السلطات لدفع فدية مالية ضخمة -غير معلنة وغالبا مايتم إنكارها-،ذلك لان هذه الأموال كانت المصدر الرئيسى لتمويل الجماعات الإرهابية لشراء ذخيرتهم. لذا بحث ساركوزى الذى اشتدت فى حقبته عمليات الاختطاف والقتل عن طريقة بديلة لحماية رعاياه، واعتزم شن حرب واسعة على ما اسماه الارهاب، استهدف بها ليبيا التى أغرقها هو ودافيد كاميرون والتحالف الدولي-آنذاك- بالسلاح، هذا السلاح الذى استخدمته الجماعات المتطرفة فى تكوين أكبر كيان ارهابي، اطلق عليه فيما بعد تنظيم «داعش»، ولتنفيذ المخطط الشيطانى الذى كان ظاهره مساندة المجلس الوطنى للمعارضة الليبية بادر الرئيس السابق ساركوزي- الذى كان المحرك الاساسى هو وبعض القوى الدولية- بشن حرب على الرئيس الليبى معمر القذاقي،اثر إعلانه اول مؤتمر لأصدقاء ليبيا بقصر الاليزيه في 2011, دعى له رؤساء دول وحكومات ومنظمات عالمية عدة. هنا لابد أن نذكر أن تداعيات هذه السياسات تسببت فى حوادث ارهابية زلزلت البلاد وراح ضحاياها مئات من الفرنسيين بهدف بث الرعب فى قلوب المواطنين، وتمت تحت ذريعة انخراط باريس فى الحرب ضد الإرهاب فى ليبيا والعراق وسوريا.
وقد كان من الطبيعى ان تعلن فرنسا انها فى حالة حرب حقيقية على الارهاب، دعتها لرفع حالة الطوارئ الى درجتها القصوى تحسبًا لأى هجوم يستهدف أمنها، وبالطبع كانت هذه الهجمات من اصعب القضايا التى واجهها الرئيس الحالى فرانسوا اولاند اضافة الى الأزمة الاقتصادية ومكافحة البطالة، فبالرغم من انه اكثر زعماء فرنسا الذين حققوا صفقات سلاح للبلاد فإن حقبته واجهت مشاكل عضال اضطرته للانسحاب من سباق الاليزيه. وفى محاولة لمكافحة تجنيد الشباب الفرنسى للحيلولة دون وقوع هجمات ارهابية ثانية أقرت لجنة برلمانية فرنسية –مؤخرا صيغة جديدة لفقـــــرة ضـــــمن مشروع قانون خــاص بالأمــــــن العـــام تتعلـــق بالتصفح المتكرر للمواقع الجهـــــادية، والــــذى أعطـــته هذه الفقرة صفة جنحة شرط أن يترافق بإبداء المتصفح رغبة في تبني الأفكار الجهادية. لذلك نلمح السخونة التي تصطحب الانتخابات الرئاسية الفرنسية الراهنة في محاولة لقطع الطريق لوصول زعيمة الجبهة الوطنية لليمين المتطرف مارين لوبن، التى تمنحها الاستطلاعات فرصا وفيرة للفوز في ظل ما تشهده الساحة من مشاكل تخص الامن والارهاب بسبب الحدود المفتوحة ضمن اتفاقية الاتحاد الاوروبى التى لاتتفق معها مارين لوبن.
وفى ظل ذلك مازال السباق يحتدم وملفات الفساد تخرج من هنا وهناك بغية الإطاحة بالمرشحين كما هو الحال مع الجمهوري فرانسوا فيون الذي يمثل أمام القضاء في قضية توظيف وهمي لزوجته بالاضافة الي فضحية جديدة تشير الى قبوله بدلة فاخرة قيمتها 13 الف يورو كهدية، ذلك ونحن علي بعد ايام لا تزيد عن أربعين يوما من الدورة الاولي للانتخابات الرئاسية المقرر لها 23 ابريل 2017. الا اننا نتوقع مفاجأة من العيار الثقيل بإعادة ترشيح الرئيس الفرنسى فرانسوا اولاند خاصة ان الناخب لم ير فى المرشحيين الحاليين من يمثلهم،وبالفعل قد أبدى البعض ندمه على ايام اولاند خاصة وانه الرئيس الوحيد النظيف اليد والتاريخ،وهو الذى لايشوبه اى ملفات فساد ويتمتع بالشفافية اللازمة، وهو مااثبتته الأيام بعد تفجير العديد من الفضائح التى تطال المرشحين مارين لوبن وفرنسوا فيون من ناحية،وصغر سن ونقص الخبرة لمرشح اليسار الأوفر حظا ايمانويل ماكرون من ناحية اخري. والواقع ان الرئيس الاشتراكى الحالى فرانسوا اولاند اصبح الانسب للبلاد،ويرى فيه الكثير من المواطنين انه الأفضل للبلاد فى ظل الظروف الراهنة، وتعطيه استطلاعات الرأى نسبة قبول تؤهله لخوض السباق،ومن الناحية الدستورية فهو مازال يحتفظ ب الـ500 صوتا النيابية المطلوبة من النواب ورؤساء المجالس، وهى اللازمة لقبول اوراقه كمرشح يخوض سباق الرئاسة.