كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال ” أن سبب النزاع الروسي الأوكراني هو الخلاف بشأن إرث الأمير ياروسلاف الحكيم، الذي وحد الإمارتين الواقعتين بين بحر البلطيق والبحر الأسود في القرن الحادي عشر.
وقالت الصحيفة الأميركية إن النزاع على رفات ياروسلاف الحكيم يشكل أساسا تاريخيا للتعزيزات العسكرية الروسية الحالية بالقرب من أوكرانيا، والتي يعتبرها المسؤولون الأميركيون تمهيدا لغزو محتمل من جانب موسكو لجارتها الصغيرة.
في الأسبوع الماضي، قال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي، جو بايدن، أبلغ نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، أن الولايات المتحدة “سترد بشكل حاسم” على أي غزو لأوكرانيا.
وجاء ذلك خلال اتصال هاتفي بين بايدن وبوتين استمر 50 دقيقة لمناقشة التوتر العسكري المرتبط بأوكرانيا، إذ حث بايدن، بوتين، على “خفض التوتر مع أوكرانيا”، مؤكدا “أن الولايات المتحدة وحلفاءها وشركاءها سيردون بشكل حاسم إذا اجتاحت روسيا أوكرانيا مرة أخرى”.
وتدعي كل من أوكرنيا وروسيا أنهما الوريث السياسي لاتحاد “كييف روس” الذي أسسه الأمير ياروسلاف الحكيم في القرن الحادي عشر، حيث تمنح كييف وسام الأمير ياروسلاف الحكيم لخدمة الدولة، بينما تملك موسكو فرقاطة تحمله اسمه. وتظهر صورة ياروسلاف على عملة ورقية في كلا البلدين.
بالنسبة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن “كييف روس” هي دليل واضح على أن روسيا وأوكرانيا “فضاء تاريخي وروحي واحد”، كما قال في مقال نشر يوليو الماضي، وأن أوكرانيا ليس لها أساس للوجود كدولة ذات سيادة.
وأشار إلى جذورهم اللغوية المشتركة في العصور الوسطى، وإلى العقيدة المسيحية الأرثوذكسية المشتركة، وحكمهم الذي بدأ في القرن التاسع من قبل سلالة روريك الحاكمة، التي كان ياروسلاف جزءا منها.
وقبل مقالته ببضعة أشهر، بدأ بوتين عملية تعزيز القوات بالقرب من أوكرانيا ثم أوقفها.
وفي الخريف، أجاز عمليات تعبئة جديدة على طول الحدود الأوكرانية استمرت خلال الأسابيع الأخيرة.
في المقابل، دللت كييف على أهمية اسم ياروسلاف في خطاب يوم الاستقلال من قبل الرئيس فولوديمير زيلينسكي. كما بحثت الحكومة الأوكرانية عن رفات ياروسلاف كإشارة ملموسة على أنها دولة ذات سيادة.
وتقول “وول ستريت جورنال” إن العثور على رفات ياروسلاف الحكيم سيكون بمثابة انتصارا رمزيا ملحوظا لأوكرانيا من أجل سيادتها في لحظة توتر كبيرة مع جارتها.
وأوضح وزير الخارجية الأوكراني، دميترو كوليبا: “بصفتنا أحفادا مباشرين لروسيا القديمة، فإننا لا ننكر حق بيلاروسيا وروسيا الحديثة في احترام روابطهما التاريخية معنا”، مردفا أن “ما نعارضه بشكل قاطع هو المحاولات الروسية الحالية لاستخدام تاريخ روسيا كأداة لخدمة أساطير بوتين الحديثة والمطالبات الإقليمية غير المشروعة”.
ولم يرد المتحدث باسم الكرملين ولا معهد التاريخ الروسي المدعوم من الحكومة على طلبات الصحيفة الأميركية للتعليق.
“صُدمت تماما”
بعد وفاته عام 1054، وُضع رفات ياروسلاف في تابوت منحوت من الرخام الأبيض في كاتدرائية القديسة صوفيا في كييف، وهي كنيسة نمطها على اسم تمثال ضخم في القسطنطينية، اسطنبول حاليا.
وتراجع اتحاد كييف روس مع الغزو المغولي خلال القرن الثالث عشر، حيث كانت أجزاء مما يعرف الآن بأوكرانيا على مدى قرون جزءًا من الإمبراطورية الروسية.
وأعلنت أوكرانيا استقلالها في خضم فوضى الحرب الأهلية الروسية قبل قرن من الزمان، لكنها بعد ذلك أمضت عقودا كجزء من الاتحاد السوفيتي.
ومع انهيار الاتحاد السوفيتي، أعلنت أوكرانيا استقلالها مرة أخرى عام 1991.
وقالت المؤرخة، نيليا كوكوفالسكا، إنها خططت مع زملائها لفتح قبر ياروسلاف الحكيم في عام 2009 لدراسة الرفات.
وقالت إنهم أرادوا مقارنة الحمض النووي للعظام مع الأحفاد المعروفين في فرنسا وألمانيا والمجر، على أمل تعزيز مطالبة أوكرانيا بالهوية الأوروبية، بدلا من التراث الروسي، وإثارة الدعم عبر القارة لسيادة البلاد .
ومنذ عقود، أزال المسؤولون السوفييت غطاء قبر ياروسلاف في عام 1936 لفحص محتوياته كما أعادوا فتح القبو عام 1939. ونُقل الهيكلان العظميان الموجودان بالداخل، أحدهما ذكر والآخر أنثى، إلى لينينغراد (سانت بطرسبرغ حاليا)، وفقا لورقة عام 2013 نشرتها الأكاديمية الوطنية للعلوم في أوكرانيا.
وأعيد الرفات في وقت لاحق إلى كييف ووضعت في كاتدرائية القديسة صوفيا، مع خطة لعرضها علنا، قبل أن يجري التخلي عن المشروع لاحقا.
وفيما بعد أعاد المسؤولون فتح القبو في عام 1964، وثبتوا العظام مجددا، وفقا للسجلات التاريخية الأوكرانية.
وفي كييف عام 2009، اكتشفت كوكوفالسكا وزملاؤها هيكلا عظميا مكتملا تقريبا داخل الصندوق، وهو لبقايا امرأة يُفترض أنها إنغيرد، الزوجة الثانية لياروسلاف، والتي تطابق وصف الهيكل العظمي الأنثوي الذي تم نقله إلى لينينغراد عام 1939، فيما اختفى رفات ياروسلاف.
وقالت كوكوفالسكا: “لقد صُدمت تماما. وعدت نفسي بأن أفعل كل ما بوسعي لاكتشاف الحقيقة وشرحها لجميع الأوكرانيين”.