أخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / هل نحن مع روسيا ام ضدها؟ 4 … صلاح المختار

هل نحن مع روسيا ام ضدها؟ 4 … صلاح المختار

بعد ان لاحظنا ان القوميات تنهض مجددا في العالم وتنهي وهم العولمة الامبريالية – وليس العولمة الرقمية- نرى بوضوح لم تعمدت امريكا اخراج العراق من معادلات الصراعات العربية والاقليمية والعالمية، فتحييده كما نراه الان كان خطة استباقية من قبل امريكا واسرائيل الغربية واسرائيل الشرقية، والسبب هو ان العراق القوي كان سيبقى العقبة الكأداء التي تحبط مخططات القوى المعادية. تصوروا لو ان العراق القوي كان موجودا فهل كنا سنشهد ما يجري الان وبصورته الحالية عربيا واقليميا وعالميا؟

بعد اليأس من تراجع العراق عن موقفين جوهريين هما تأميم النفط وانتهاج سياسة اشتراكية الملامح،والاصرار على التمسك بالموقف القومي وهو تحرير فلسطين، بدأ تنفيذ خطة تحييد العراق، اي انهاء مابناه  النظام الوطني في العراق من عمارة شاهقة للبشر وعمارة مادية عظيمة للدولة وبناها التحتية، وتلك الخطة كان هدفها انهاء دوره العربي والاقليمي والعالمي وتحويله الى ركامات عنوانها الملخص هو انه بؤرة فساد وافساد، نعيشها الان بكل كارثيتها. ويمكن رؤية النتائج الميدانية فيما لو ان العراق مازال قويا، لننظر الى النتيجة:

1-هل كانت ازمة المياه التي تضربنا الان وتهدد بنهاية مأساوية للعراق بشرا وارضا وموارد ممكنة؟ تذكروا لو ان للعراق قوته السابقة وتعرض لما يتعرض له الان من نهب لمياهه ونفطة وثرواته وبصورة مبرمجة متفق عليها دوليا واقليميا فان رد فعله كان سيكون حاسما وسيجبر تلك الاطراف على الالتزام بالاتفاقيات الدولية، فعشرة صواريخ كانت كافية لتدمير السدود التي تمنع المياه عن العراق واذا حاولت الاطراف الاخرى الرد فانها تعرف بان حربا شاملة ستقع وتدمر بناها كما يدمر الجفاف العراق ، لذلك فان الخاسر الرئيس من اي حرب بين العراق ودول المنابع هو تلك الدول اكثر من العراق .وما حصل في الثمانينات يؤكد ما نقوله، ففي تلك الفترة كان الخوف من رد فعل العراق القوي يمنع تنفذ مشاريع سدود عديدة في المنابع ولكن تدمير العراق اتاح الفرص لتنفيذها وبصورة اوسع مما خطط اصلا نظرا لتغييب العراق التام .

2-هل كانت اسرائيل الشرقية ستستكلب كما نراها الان وهي تحتل دول عربية وتفاخر بذلك بينما كانت ترتعش خوفا بعد عام 1988 من مجرد تلميح العراق بعقاب لها؟ كان العراق القوي يحمي دول الخليج العربي ويمنع انهيارها ولو كان موجودا الان لاقنعها بالتراجع المخيف عن مواقفها تجاه القضية الفلسطينية. فعندما كان العراق قويا كانت دول الخليج العربي تعتمد عليه في صد الغزوات الايرانية ولكن بعد تدميره فان ما بقي لدول الخليج العربي هو زيادة ثمن الحماية الامريكية لها ومعها اقنعت بنظرية قديمة انتهى مفعولها منذ صعد خميني للحكم، وهي ان ضمان دعم امريكا مرهون بكسب اللوبي الصهيوني في امريكا ودعم اسرائيل الغربية، فبهما يمكن اقناع امريكا بدعم اي دولة او محاربتها ،وهذه النظرية المنتهية الصلاحية نتيجة للاعتماد على نظام الملالي بدلا عن الكيان الصهيوني، زادت قيمتها بعد ان كشفت امريكا عن وجه اشد قبحا عندما تخلت في عهد اوباما عن دول الخليج العربي واخذت تعزز القوة الايرانية وكانت الاتفاقية النووية لعام 2015 مثال يؤكد ذلك، وجو بايدن اكد ان امريكا تخلت عن تعهداتها بحماية دول الخليج العربي،فلم يبقى لها سوى (الخيار الاسرائيلي)  وهو التطبيع مع اسرائيل الغربية رغم استخدام نظرية انتهى مفعولها! الان دول التطبيع الخليجية تواجه فقدان الخيط والعصفور معا فلا اسرائيل الغربية تستطيع حمايتها،ولا امريكا تفي بالتزاماتها بعد ان سرقت تريليونات الدولارات من دول الخليج العربي طوال عقود تحت بند حمايتها!ولو ان العراق القوي مازال موجودا لما انحنت دول الخليج للصهيونية بصورة تبعث على قشعريرة الروح !

3-لو ان العراق القوي باق هل كانت دول عديدة تتكالب ضد ليبيا واليمن وسوريا والعراق وتنهش لحمها بلا رحمة؟ان العراق الذي دعم موريتانيا والسودان عسكريا عندما تعرضتا لتهديدات وجودية فابعد شرور دول الجوار او التمردات المسلحة هو نفسه كان سيتصدى لتدخل الدول المتعددة في شؤون الاقطار العربية من خلال ممارسته ضغوطا اقتصادية وسياسية وعسكرية ايضا، فتلك الدول ما تدخلت وامعنت في استباحة الاقطار العربية الا لغياب قوة الرد العربية.ولو استعرضنا دول الاقليم التي تتدخل في الشؤون العربية لادركنا انها تستغل تغييب العراق لتنفيذ مخططات وان كانت تبدو قومية الطابع بالنسبة لتلك الدول الا انها بنفس الوقت خطط الغرب والصهيونية، فهناك قاسم مشترك بين القوى الاقليمية والغرب والصهيونية وهو معاداة العرب والعمل المشترك لتدمير وحدتهم القومية ومحو هويتهم العربية .

4-هل كانت امريكا وهي تتراجع كما نراها الان ستواصل سياساتها لو ان العراق القوي كان موجودا؟ كلا فالعراق كان بأمكانه ان يستنزف امريكا بصورة هائلة اقتصاديا وحتى عسكريا،من خلال تنظيم عمليات مقاومة مسلحة يدعمها سرا او علنا، او من خلال المواجهة الاقليمية القوية، خصوصا وان العالم في هذه المرحلة يشهد صراعا وجوديا،اخطر من الحرب الباردة، بين روسيا والصين من جهة وامريكا والغرب من جهة ثانية، وفيه يمكن الحصول على دعم سياسي روسي-صيني للعراق المتحرر اضافة لبيعه اسلحة متطورة فتواجه امريكا نفس ما تواجهه روسيا الان في اوكرانيا من تسليح متقدم للجيش الاوكراني وتجنيد لعشرات الالاف من المرتزقة الاجانب وللنازيين فيها، وهو ما زاد من خسائر روسيا واجبرها على اختيار خطط عسكرية بديلة، والعراق لو كان النظام الوطني مازال موجودا لاستثمر الى ابعد حد الوضع العالمي الجديد وسخر قواه لتدمير ركائز العدوان الامريكي والصهيوني والايراني بقوته الذاتية.ولنتذكر ان امريكا الان غير امريكا التي شنت الحرب على العراق والتي كانت في ذروة قوتها العسكرية والاقتصادية ولكنها ونتيجة للحرب على العراق اسقطت اسطورة امريكا الاقوى في العالم واثبتت المقاومة العراقية ان امريكا ارنب من ورق ، ولهذا فوجود عراق قوي في بيئة الازمة العالمية الحالية سيكون عاملا حيويا في ضمان انهاء العدوانات الامريكية وترجيح كفة روسيا والصين.

5- هل كانت اثيوبيا ستتنمر على مصر والسودان لو كان العراق القوي موجودا؟ اننا ودون التقليل من قوة مصر والسودان الا اننا نعرف ان قدرة العراق على التحدي عبر تاريخه المجيد ومنذ الاف السنين ميزة عراقية ولهذا كانت اول امبراطورية في تاريخ العالم عراقية وكانت الحضارات العراقية حضارات ديناميكية متحركة ومتوسعة خارجيا بعكس الحضارة العربية في مصر حيث كانت في حدود مصر غالبا، من هنا فان العراق القوي كان سيردع اثيوبيا بصورة فعالة بمجرد تهديدها بتدمير سدها بصواريخه وهذا السيناريو يرعب النظام الاثيويي لانه يعرف ان تدمير السد يشكل ضربة قاسية لاثيوبيا  لايمكن تحملها معنويا  خصوصا في ظل ميزان القوى العالمية الحالي . ولنتذكر ان السد الاثيوبي ليس هدفه فقط حجب مياه عن مصر والسودان بل الاهم هو تعمد اهانتهما واذلالهما بانفراد اثيوبيا باتخاذ قرارات مصيرية. والعراق البعيد نسبيا عن اثيوبيا هو الاكثر قدرة على ردعها وجعلها تعرف مسبقا بان اصرارها على موقفها سوف يكلفها ثما غاليا جدا لايمكنها تحمله .

6-لو ان العراق القوي مازل موجودا هل كانت عملية التفريس للعراق وسوريا ولبنان واليمن،وتصاعد الدعوات لانكار عروبة المغرب العربي، ستحقق تقدما ونجاحات كما نراها الان؟ الجواب كلا بالطبع فمشرقا سنرى اسرائيل الشرقية وتوأمها اسرائيل الغربية واي طرف اقليمي اخر يفكرون عشر مرات قبل اي خطوة قد يعدها العراق استفزازية او عدوانية وما جرى في الثمانينات مع دول اقليمية يؤكد ذلك حيث كان مجرد اعلان العراق استعداده للردع يجبر الاطراف الاخرى على التراجع، اما في المغرب العربي فان من يحرك الدعوات العنصرية الميتة ويحاول احياءها واعطاءها طابعا انفصاليا فهي فرنسا اولا ومعها دول غربية في مقدمتها امريكا وهذه الدول براغماتية وهي ما ان تتعرض لخسائر مادية نتيجة اي موقف سياسي ستبدأ بالتراجع، ويكفي ان يقف العراق ليطالب في الجامعة العربية بموقف عربي موحد ضد تلك الدعوات الانفصالية والعنصرية ومن يغذيها حتى يفكر الغرب طويلا، ومعه تفكر الانظمة ايضا،لان مجرد طرح ذلك في الجامعة العربية ما هو الا انذار عراقي بانه ان لم يتفق معه بقية العرب فسوف يقدم على العمل بمفرده، والعمل المنفرد في القضايا المصيرية يشكل خطرا مميتا على الانظمة العربية مثلما يشكل تحديا كبيرا للغرب لانه يبدأ بتعبئة الجماهير اولا واعدادها لضرب اي نظام يقف بوجه المد الجماهيري العربي والذي سنراه عاليا جدا كما حصل حينما قصف العراق اسرائيل الغربية ب43 صاروخا في عام 1991 حيث نهضت الملايين العربية تهتف للعراق وصدام حسين ، فالقضية ليست مجرد دعوة انظمة وانما هي وضعها في زاوية خنق تجبرها على اختيار موقف كانت ترفضه.

لنكتفي بهذه الامثلة ونعيد طرح السؤال الجوهري وهو: لو كان العراق القوي موجودا هل كانت الكوارث العربية ستستمر؟ الجواب هو كلا بدون شك، ومن هذه الحقيقة يمكن تأكيد ان تدمير العراق كان يستبطن هدفا خطيرا وهو ان العراق القوي عامل افساد للمخططات الغربية والصهيونية والايرانية، ولذلك وجب تدميره قبل تنفيذ تلك المخططات.

هل رأيتم الان الاهمية النفسية والستراتيجية للقومية العربية وهي وبحق الرابط الاهم بين العرب ومصدر قوتهم الكامنة والتي لو استخدم جزء منها لانقلبت المعادلات الستراتيجية الحالية؟ وفي مرحلة نهوض القوميات في العالم الان ومنها قوميتنا العربية التي نفضت غبار التراجع عنها بعد انكشاف القوى الاسلاموية وسقوطها نرى الخيط الفولاذي الذي يربط كل تلك المخططات بمخطط اخر سري وغير منظور وهو ان غزو وتدمير العراق وان نجح الا انه مهدد بالفشل وتحرره نتيجة وجود قوى وطنية في مقدمتها حزب البعث العربي الاشتراكي لذلك لم تكن صدفة تبني خطة شاملة ومدروسة لاجتثاث البعث وتحقيق هذا الهدف هو الضامن لمنع تحرر العراق لان اجتثاث البعث  مع خلو العراق من اي قوة جماهيرية منظمة وقوية تسمو فوق الطائفية والاثنية ومحركها هو الوطنية العراقية هو الشرط المسبق لتحقيق بقية اهداف المخطط المشترك للغرب والصهيونية والفرس لان غياب التنظيم الجماهيري الوطني ووجود تنظيمات جماهيرية لكنها اما طائفية او عنصرية يبقي الكتل السياسية تحت سيطرة القوى الدولية والاقليمية بسبب ضعفها.      وهكذا نرى ان اختراق البعث ومن اعلى قيادة فيه وهي القيادة القومية كان هدفا مشتركا لنفس تلك القوى الثلاثة، ومن لايفترض وجود مخططات مثل هذه يهين البعث لانه يقلل من قيمته ودوره فالدول والمخابرات تهتم قبل كل شيء بالتنظيمات القوية والمؤثرة جماهيريا وتعمل بكافة الطرق على اختراقها مخابراتيا والتأثير عليها من داخلها، وهذه بديهية معروفة لاتقلل من شان المستهدف بل بالعكس تؤكد اهميته العظيمة وهو ما اشار اليه القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق في عام 1970 عندما اكد اختراق المخابرات المعادية لاعلى قيادة للحزب في سوريا، وما جرى في الحزب بعد غزو العراق هو اختراق منظم للقيادة القومية من قبل اجهزة المخابرات التي اوصلت ادواتها الى عضوية القيادة القومية، وهو ما اكده الرفيق عزة ابراهيم في عدة رسائل منذ عام 2018 ، ومن هناك بدأت مؤامرة السيطرة على البعث وكانت اول خطواتها تصفية المناضلين الاكثر وعيا وتأثيرا داخل الحزب ثم خلق الفتن داخله ومنع حلها ورفض التقيد بالنظام الداخلي…الخ، وبهذه الطريقة يجر الحزب الى مستنقع التشرذم والانشقاق وهذا هو الاجتثاث من داخله.وهذا ما نواجهه خصوصا منذ رحيل الرفيق عزة ابراهيم وتنمر اعضاء دسوا في القيادة القومية بطريقة تؤكد انهم ينفذون مخططا مشتركا امريكيا وايرانيا وصهيونيا تماما مثلما كان تدمير العراق بعد غزوه مخططا مشتركا لتلك القوى، وبهذا المعنى فان اجتثاث البعث من داخله فرع خطير من المخطط العام لتدمير الامة العربية. يتبع.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *