أخبار عاجلة
الرئيسية / منوعات / نزيـف «الأسـفلت»

نزيـف «الأسـفلت»

نزيف الدماء من ضحايا حوادث السيارات يتدفق علي الطرق لم يتوقف يوما، حتي أصبحت مرضا خبيثا مزمنا لا علاج له رغم معرفة أسبابه الواضحة، وهذا يؤكد استمرار غياب الرقابة الصناعية وغفلة المسئولين المنوطين بتسيير المركبات التالفة والتي تحتاج لفحص وصيانة قبل التحرك، سواء كانت السيارات ملكا لشركات أو مؤسسات أو هيئات أو أفراد وكذلك مسئولو الطرق.

لذا فهي مسئولية مشتركة بينهم لقتل أبرياء واغتيال آمال وأحلام ومستقبل أجيال بإهمالهم الجسيم في أعمال الصيانة بصفة عامة سواء للمركبات وللطرق، مستغلين حرص قائدي المركبات علي السعي للقمة العيش وعدم رفضهم التحرك بسيارات تالفة غير صالحة للسير . ولقد شهد طريقا الغردقة وشرم الشيخ عدة حوادث مروعة ومفزعة كانت آخرها حادثتا زهور كلية الصيدلة وانقلاب اتوبيس بأبو زنيمة راح ضحيتهما المئات في اقل من عشرة أيام، ولم تكونا الأولي ولا الأخيرة التي تحدث ولم نر أو نسمع حبسا أو توجيه تهمة لأحد بالإهمال الجسيم الذي أدي لإزهاق أرواح بريئة وغالبا ما تقيد هذه الحوادث ضد مجهول أو (قضاء وقدر)، لذلك فتحنا ملف الصيانة الذي يعتبره المتخصصون السبب الأول والأساسي في وقوع الحادث للتعرف علي مشكلاتها ونتساءل: من المسئول عن قيادة سيارة دون فرامل أو حتي وجود خلل ما فيها أوفي الإطارات ؟هل هو السائق أم مالكو السيارة أم مهندسو الصيانة او الفني ؟! ومن المسئول عن تأمين الطرق الخطرة وصيانتها وتخطيطها وإصلاحها ؟! ومن المسئول عن تعيين سائق متهور أو غير مدرب في أي جهة ما ؟! واين الرقابة علي ورش صيانة المركبات وعلي قطع الغيار الصيني او المغشوشة ؟! وكيف ومتي تتم الرقابة الحازمة للحد من حوادث الطرق؟!.

وفي البحث عن مشكلات قطع الغيار في الاسواق والإصلاح وعدم صيانة السيارات، يشكو السائق أشرف بإحدي المؤسسات الكبري من كثرة أعطال السيارات المتهالكة الموجودة لديهم والتي يعمل عليها لتوصيل العاملين، حيث تتكرر الاعطال في الطريق وكلما أبلغ مديره يطيب خاطره بالكلام ويطلب منه استكمال عمله ثم العودة وإبلاغ الورشة للإصلاح، ويتم بالفعل ذلك ولكن دون إصلاح شيء ويرجح السائق أن الفنيين والمهندسيين الموجودين بالورشة ليسوا علي قدر المسئولية.بينما يؤكد المهندس أيمن ماهر – صاحب ورشة إصلاح – ارتفاع الأسعار بشكل جنوني واختفاء قطع الغيار الاصلية وحتي المستعملة اصبحت غير موجودة، وكذلك الأجر اليومي للعامل تعدي كل الحدود حتي الصبية الصغار أما الفني أو العامل ذو الخبرة فهو غير موجود ناهيك عن زيادة أسعار الكهرباء والمياه شهريا للورشة والضرائب ومستلزمات الاصلاح إلي جانب قلة الضمير للعمالة التي تعمل في اصلاح أبسط شيء ولتكن نفخ الاطارات وإصلاحها وهي اهم ما في المركبة وهي علي الطريق، ولقلة الضمير وخوفي من ربنا أطلب من صاحب السيارة او الميكروباص المراد إصلاحها شراء قطعة الغيار المراد تغييرها وأقوم بتركيبها او اصلاحها إن امكن، حتي لا اتحمل وزر شراء قطعة غيار مضروبة وأتسبب في وقوع حادث.

ويشير إلي انه لا تأتي إليه ولا لأي ورشة أي لجان من أي جهة للتفتيش علي الفنيين أو العمالة أو الماكينات التي نعمل بها فهذه الورشة ورثناها ابا عن جد وكذلك الماكينات والادوات التي تستخدم في الاصلاح وانما بعض اصحاب الورش بأنفسهم هم الذين يقومون بتحديث المكان والادوات حسب إمكانات كل واحد.

في حين يصرخ تاجر قطع سيارات – رفض ذكر اسمه – من اسعار السوق في قطع الغيار المستعملة وهي ما يسميها البعض «استيراد» إن وجدت أما القطع الاصلية فلا وجود لها من الاساس عند صغار التجار أو بمعني اصح عند تجار التجزئة ولكن قد نجد قطع غيار صينية مصنعة تحت «بير السلم» والزبون عايز الرخيص ومش مهم يحصله ايه هو واولاده علي الطريق، فأي تاجر تجزئة بيتعامل مع اثنين اكبر منه ومحكوم بهما وهما المستورد الذي تضاعفت الاسعار عنده بسبب تعويم الجنيه وزيادة سعر الدولار والذي احيانا اتعامل معه إذا كانت لديه شركة بيع والثاني تاجر الجملة وهو الذي يكون تعاملي معه والاسعار حسب السوق.

وعلي النقيض يؤكد احمد سلام – تاجر قطع غيار – انه لا توجد اي مشكلات في قطع الغيار سوي ارتفاع اسعارها لارتفاع سعر الدولار اما اي قطعة غيار فهي موجودة لدينا سواء كورية أو تركية او صينية او اسبانية او مصرية ولا يوجد احتكار لصنف معين أو قطعة محددة و تجار الجملة وكذلك التجزئة لديهم المخازن مملوءة بقطع الغيار. أما بخصوص قطع غيار الاستيراد فهي أيضا اسعارها تضاعفت وغالبا تأتي من بور سعيد وليس بها أي مشكلات وإنما مستعملة استعمالا خفيفا وتأتي من الخارج .

◄ منظومة متكاملة

ويري الدكتور المهندس عماد الدين نبيل خبير الطرق والمرور الدولي استشاري عام للعديد من المشاريع القومية للطرق ومحاضر بكلية الهندسة جامعة القاهرة، أن منظومة النقل مكونة من ثلاثة عناصر: الطريق والمركبة والعنصر البشري، وبتحليل النسب للعناصر الثلاثة تبين ان العنصر البشري يمثل 65% والمركبة 35% والطريق 10%، مشيرا إلي نقص المنظومة المتكاملة ووجود خلل واضح في الصيانة الدورية والمتحكمة في جودة وحالة المركبات والطرق.

◄ وهناك عدة طرق اشتهرت بكثرة الحوادث أهمها:

– الطريق الدائري: طوله 108 كيلو مترات، يصل بين محافظات القاهرة الكبري الثلاث، ويعاني إهمالا شديدا، وانعدام الخدمات، فلا توجد سيارات شرطة ولا دوريات ولا نقاط إسعاف، إضافة إلي المواقف العشوائية، و«المدقات» غير القانونية التي أنشأها الأهالي دون دراسة، ودون مراعاة لفنيات الطريق لتسهيل دخولهم وخروجهم من الطريق.

– طريق القاهرة – الإسكندرية الزراعي: يبلغ معدل حوادث السير عليه خاصة الجزء الواقع منه داخل محافظة البحيرة، من 3 إلي 4 حوادث تصادم متفرقة في نطاق محافظة البحيرة يوميا حسب إحصائيات مرفق الإسعاف .

وبلغ عدد الضحايا والمصابين4871 شخصا خلال عام 2015 ما بين قتيل وجريح، ويصل لقرابة الـ1000 قتيل و4000 آلاف مصاب خلال عام واحد .

– طريق الفيوم- : اشتهر بوجود هبوط أرضي في أجزاء منه، إلي جانب تهالك أعمدة الإنارة، ونقص العلامات الفسفورية لإظهار المطبات الصناعية، إلي جانب اللصوص الذين يهاجمون مستخدميه في أي وقت ، نظرًا لضعف الوجود الأمني، بالإضافة إلي إقامة الكثير من المطبات الصناعية بالطريق أمام مداخل القري، دون وضع لافتات إرشادية بوجودها أو علامات فسفورية تظهرها، والتي تُفاجئ معظم قائدي السيارات، خاصة الغرباء الذين لم يستخدموا الطريق من قبل، ما يتسبب في وقوع الحوادث.

– طريق السخنة- الزعفرانة: يطلق عليه «طريق الموت»، بعد أن حصد وما زال يحصد أرواح الكثير من المواطنين وسالت عليه دماء مئات المصابين خلال العامين السابقين، ليكون أخطر الطرق الجبلية بالمحافظة وترجع خطورته إلي عدم ازدواجه وطبيعته الجبلية الوعرة، نتيجة كثرة المنحنيات به، لانحصاره بين الجبل والبحر.

ومع ذلك يشدد خبير الطرق علي تكثيف العلامات المرورية عند المنحنيات الخطيرة والأماكن التي تقل فيها الرؤية أو تنعدم.

وتابع: إذا نظرنا للحادث المؤلم الاخير نجد أن المتسبب فيها نقص صيانة الأتوبيس السياحي، مما أدي إلي تعطيل نظام المكابح (الفرامل) وهذا يدعونا إلي تحليل العنصر الخاص بالسيارات أكثر من غيره، فبدراسة الاحصائيات الخاصة بمنظومة النقل، نجد 40% من المشاركين والمتسببين في الحوادث سيارات النقل، وينصح الدكتور عماد قائدي المركبات بالاهتمام بكفاءة وسلامة وصيانة الفرامل والاطارات فهما أهم عنصرين لضمان سلامة وأمان سير المركبات علي الطريق إذ أنهما يمثلان نحو 70% من أسباب الحوادث التي تقع علي الطرق.

◄ حلول جذرية

ويعرض خبير الطرق د. مهندس احمد محمود مؤسس ومدير إحدي المجموعات: إن حوادث الطرق لم ولن يتم الحد منها ما دام هناك خلل جسيم وواضح في منظومة الصيانة الدورية، والرقابة المستمرة عليها، موضحا أن المنظومة ما هي إلا مثلث لكل ضلع نسبة محددة في وقوع الحادث، منها السيارة وفحصها ومواصفاتها وكفاءتها ووسائل السلامة والامان بها، حيث أن صيانة السيارة من أهم سبل الوقاية من الوقوع في الحادث، وإذا تحدثنا عن أهمية صيانة المركبة فنجد أنه لا توجد مركبة حتي الآن لا تحتاج إلي صيانة.. جميع المركبات دون استثناء تحتاج إلي صيانة دورية بسيطة وأخري شاملة علي فترات محددة، ومن المؤكد أن الإهمال في الصيانة يسبب إهدار المال (قطع غيار ووقود) والوقت (كثرة الأعطال) و الجهد وقد يسبب كوارث رغم وجود برنامج لصيانة كل مركبة والذي يختلف حسب نوع المركبة و طبيعة استخدامها و البيئة، مشيرا إلي أن مصاريف الصيانة قد تتجاوز ثمن المركبة خلال عمرها. كما أن الإهمال في الصيانة من المؤكد يتسبب بنسبة أعلي مما يبدو في الحوادث المقيد فيها أنه سببها.

ويمكن تقسيم أماكن صيانة المركبات إلي قسمين، الأول: مراكز صيانة تابعة للتوكيلات مباشرة وأخري معتمدة من التوكيلات، وورش الصيانة الخاصة بالهيئات و المؤسسات (مطابقة للمواصفات)، والثاني: ورش صيانة تابعة لملاك الأساطيل (غير مطابقة للمواصفات) ، وورش الصيانة الخاصة الشاملة لعامة التخصصات. والورش الأهلية الخاصة بالحرفيين.

ويقسم الدكتور احمد محمود عملاء صيانة المركبات الي نوعين، النوع الأول من العملاء: ملاك السيارات الجديدة المعقدة و غالبا ما تكون ثمينة، والنوع الثاني من العملاء: عامة ملاك السيارات القديمة زهيدة السعر نسبيا، وهي التي تدفع بالعملاء إلي قسم الصيانة الثاني لسوء مستوي الخدمة أو عدم اهتمام المسئول عن المركبة أو قِدم المركبة.

ويشير الدكتور المهندس إلي أن المستوي التكنولوجي لوسائل الأمان بالسيارات الحديثة من المفترض يقلل من نسب الحوادث علي الطرق، فهناك وسائل أمان فعالة إيجابية للحد من الحوادث مثل المكابح المانعة للغلق (ABS ) ونظم حفظ اتزان السيارة الكترونيا (ESP) ونظام الرؤية الليلية ونظام التحكم في قوة الدفع (TCS ) و نظم التعليق و الاتزان الإلكترونية وكذلك نظم الإضاءة الحديثة للكشافات الأمامية و الخلفية و ضبط المسافات آليا (Distronic).

وهناك وسائل أمان تفعيلية (سلبية من جهة الحد من الحوادث) مثل أحزمة الأمان ذات التحكم في الارتفاع والمبرمجة آليا، والوسائد الهوائية (Air Bag) بتحكم الكتروني ومساند الرأس، التي تعدل كهربائيا و المقود التليسكوبي الماص للصدمات ومجموعة الدواسات القابلة للانفصال عند التصادم والهيكل المختلف الصلابة و الدعامات الجانبية.

◄ مشكلات الصيانة

وبحسب الدكتور احمد بعض مشاكل الصيانة الرئيسية، التي تقف خلف نسبة كبيرة من الحوادث، الإطارات والفرامل وأجهزة التوجيه والتعليق وكذلك اصلاح السيارات بعد الحوادث الجسيمة.

وعن عناصر عملية الصيانة الناجحة يؤكد الدكتور احمد أنها تعتمد علي المكان والتجهيزات و المعدات والعمالة الفنية المؤهلة والتكنولوجيا و التدريب.

ومن أهم مشكلات منظومة الصيانة الحالية إهمال صاحب المركبة الصيانة الدورية دون مسئولية امكانية ممارسة الإصلاحات دون تراخيص أو دراية وافتقار معظم العاملين في المجال إلي العلم والتدريب وافتقار ورش القسم الثاني إلي العدد والمعدات المناسبة وانعدام الرقابة الفنية من أى جهة حكومية مسئولة وعدم توافر مراكز الصيانة المعتمدة وارتفاع تكلفتها ووجود قائمة انتظار طويلة بالمراكز العالية وايضا انعدام المسئولية القانونية علي القائمين بالصيانة عشوائياً.

◄ مقترحات بالحلول التشريعية والتنفيذية
أولا: بالنسبة للمركبات

عدم الترخيص للمركبات بعد الحوادث الجسيمة إلا بعد فحص فني كامل و دقيق و تقييم أثر الإصلاحات علي تسيير المركبة. تعديل بند الفحص الفني في لائحة قانون المرور ليشمل اجتيازه علي يد استشاريين متخصصين وبقياسات محددة. ويجب إلزام الوكالات بإقامة ورش أو اعتمادها لتتناسب مع المبيعات. إلزام ملاك المركبات بإمساك دفاتر صيانة تعرض عند الفحص ومنح السيارات المجهزة بوسائل أمان متقدمة تخفيضا جمركيا. يجب رفع الحد الأدني الحالي لمواصفات تراخيص الورش تعليق تراخيص الورش الفردية علي وجود متخصص في المجال. ضرورة وجود جهة رقابية محددة من خبراء في الصيانة للتفتيش علي الورش. متابعة تدريب الفنيين وتأهيلهم باستمرار من قبل جهة إشرافية علي أن يدعم هذا النشاط المخالفات التي ستحرر للمخالفين. خفض الضرائب علي قطع الغيار والورش الإسهام في عمليات الصيانة للمركبات وتعديل الشرائح الضريبية علي نشاط إصلاح المركبات بحيث يتم تشجيع الاستثمار في هذا المجال

ثانيا: بالنسبة للفنيين القائمين علي عملية الصيانة

لابد من منع و تجريم مزاولة مهنة صيانة السيارات بكل تخصصاتها إلا بعد الحصول علي ترخيص مزاولة مهنة وبعد اختبارات دقيقة. تحديث ورفع كفاءة التعليم الفني المتخصص. اعتماد مدرب للشخص المختبر للتأكد من تأهيل ممارسي المهنة باشتراط المؤهل الفني المعدل. القضاء علي ظاهرة الصبية لخروجها عن نطاق الإنسانية وفتح المجال للمعاهد الأهلية تحت رقابة الهيئات الحكومية للمشاركة في وضع مواصفات ثابتة معتمدة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *