الرئيسية / مقالات / لا يمكنك ان تخدع كل الناس لكل الوقت … ضرغام الدباغ
الأستاذ الدكتور ضرغام الدباغ

لا يمكنك ان تخدع كل الناس لكل الوقت … ضرغام الدباغ

الضربات خاطفة، متلاحقة، وغالباً لا تعلن الأطراف المسؤولة عنها، لتبقى غامضة تقبل كل احتمال وتأويل، وهذه لحد الآن لها أهمية محدودة
ولكن الأهم وما يستحق التفكير : حين نتأمل، تلاحظ كم هي واسعة قدرة تلك الجهات (المنفذة للضربات الخاطفة) بالتغلغل والتسلل إلى جوانب وخواصر المجتمع والدولة الإيرانية ومراكزها الحساسة .. عميقة لهذه الدرجة، يمكنها أن تدخل البلاد (ما لم تكن خلاياها متمركزة داخل إيران وهذا أخطر)، ثم قدرتها الدقيقة على توجيه الضربات، وثالثاً القدرة الممتازة والناجحة في جميع الحالات على الانسحاب بأمان إلى قواعدها. واخيراً .. وهذا لم يعد سراً، لماذا هذا الصمت المريب ..؟
قرأت تقريراً، أن حزب الله اللبناني قد سيستيقظ يوماً ولا يجد قياداته ..! فقد انقرضوا جميعاً في ضربات متفاوتة في القوة، والوسائل والأساليب، ولكن بنتيجة هي الإبادة التدريجية ..! فماذا في الواقع بين الصهاينة وملالي طهران ورقعة الشطرنج هي لبنان وحزب نصر الله …؟ وغزة وقيادات حماس ..!
الأمريكان يختلفون في الرؤية، مع الصهاينة في التعامل مع الإيرانيين، لا يوافقونهم في كل شيئ، الصهاينة عنصريين وطائفيين مخرفين دينياً وإن تظاهروا بالعلمانية، مثلهم مثل الفرس الصفويين، وربما أكثر منهم .. تتميز ردود أفعالهم بالقوة والشراسة، والفرس صفويين أولاً والدين والطائفة هو غطاء تكتيكي لا غير، تهمهم مصالح الدولة الإيرانية التي أقاموها مع وجود مخاطر داخلية، يحافظون على وحدة البلاد بشق الأنفس، يحيط بهم الأعداء الخارجيين من كل حدب وصوب، واحتمالات الانسلاخ لدويلات قائم دائماً وأبداً، فالفرس يناشدون حلفاؤهم الأمريكان والصهاينة : امنحونا فسحة من المجال لنتصرف … الامريكان يبدون بعض التفهم لحلفائهم، يدركون ضرورة إظهار العداء لأمريكا وإسرائيل، لكي تكون لهم كلمة في المنطقة، لكن الصهاينة يردون، أفعلوا كل شيئ ولكن لا تلعبوا في ملاعبنا، أنتم تريدون التوسع وتجربون هنا وهناك، بينما نحن مهددون بالزوال، فما بأيدينا هو منهوب مسروق، وفي الشرق من يسرق دجاجة عليه أن لا يغفل دقيقة واحدة، فما بالك وقد سرقنا بلداً، فنحن لصوص دوليون حقيقة يعرفها العالم بأسره. بل وأحالونا للمحكمة الدولية بتهم جنائية: نهب وإبادة جماعية.
الأمريكيون منزعجون، من الصراع بين حلفاءهم، ولكن مع إبداء التفهم والمرونة، يفهمون أن كلا الحليفان ينتميان للشرق الذي له طقوسه. السياسية والاجتماعية، يعشق الخرافات والاساطير والسحر، والفرس يغالون بالفسيفساء وبأساليب وأنماط تفكير معقدة بسبب تعقد الواقع الموضوعي والتاريخ الفارسي المشحون بالبكائيات والمراثي، ويعشقون المبالغات، والتباهي واستعراض القوة والمنفخة، كما يحاول الأمريكيون تفهم هموم الصهاينة، المشحونة بالدياسبورا (الاغتراب/ Diaspora) وأن لا أحد يريدهم في المنطقة كما في العالم بأسره حتى أصدقائهم الامريكان والغرب، فاعتبروا فلسطين مكب نفايات لليهود وتخلصوا منهم، واعتبروها قاعدة عسكرية مستأجرة لها تكاليفها، لذلك يحصلون على الدعم المادي والسياسي بلا سقف ولا حدود. ومع ذلك ما ناموا ليلة ملئ جفونهم.
الصهاينة يعاتبون الفرس: نحن من أنقذكم من هزيمة ساحقة كانت محدقة بكم، وحتى الأمريكان كان قد أصابهم اليأس من تحقيق انتصار فارسي على العراق، فالإمداد السري الأمريكي لم يكن ليكفي، ففتحت تل ابيب مستودعاتها بالسلاح النوعي المتقدم : الصواريخ المضادة للطائرات (هوك ورابير)، والصواريخ المضادة للدروع (تاو)، فالصهاينة كانوا يخشون شيئاً واحداً أن يخرج العراق العربي منتصرا وحينئذ سنضطر لعمل كبير باهض التكاليف السياسية والمالية، مع بلد مقاتل وجيش محترف، وبلد اسمه العراق .. ربما ليس حتى بوسع الولايات المتحدة القيام به لوحدها، إلا بتجييش قوات من 33 دولة بعضها مثير للدهشة، غابت عن أذهانهم مفاهيم الأمن الاستراتيجي … واليوم يدفعون الثمن خطأهم باهضاً ..وهكذا كان وصار فعلاً …!
الفرس الصفويون يريدون أن يظهروا لحلفائهم الأمريكان والغربيين أهمية دورهم : أنتم بالكاد تمسكون بالشرق الأوسط مع وجودنا نحن والحليف الصهيوني، فماذا لو لم نكن موجودبن ..؟ فالعرب أمة قادرة على إنجاب قادة أفذاذ كعبد الناصر وصدام، وحركات نضالية تذيقكم المر … ونحن الفرس أهم لكم من الصهاينة أفلا تعقلون ..؟ ها هم الصهاينة يقفون على خط النهاية، لا يستطيعوا التعامل مع القضية الفلسطينية، بينما نحن تمكنا فيما عجز عنه حتى العرب، بإحداث انشقاقات بينهم، وقوة كبيرة منهم اليوم تأتمر بأمرنا .. ولدينا هيمنة على الشأن الفلسطيني وعلى لبنان واليمن والعراق ,, اليوم كيانات، ولكنها كانت حتى الأمس القريب دولاً لامعة في سماء الشرق الأوسط ..!
هذه باختصار تعبير عن كواليس المسرح، بالله عليكم الصهاينة مرغمون على دور الاستخذاء، للأمريكان والغرب، لأنهم امتداد عضوي لهم، لكن الفرس لماذا .. سأخبركم شيئاً ..؟
الفرس على امتداد تأريخهم يجعلون أنفسهم ممثلين لمصالح قوى عظمى، يلعبون دور “وكيل مصالح” ليناكفوا الدولة العثمانية يوماً، والروس يوماً آخر، ثم مخفر امامي ضد الاتحاد السوفيتي، وضد العرب والمسلمين، نعم ينالون الحماية ولكن دائماً بدور وضيع لا يستحق الاحترام.
الصهاينة، قبلوا أن يكونوا خندق وقاعدة أمريكية في الشرق الأوسط، وكل ما لفقوه من تلفيقات، تهاوت على مر السنين، فيقول عالم الآثار الإسرائيلي ” زائيف هرتسوغ” : ” سبعون عاماً من الحفر والتنقيب في إسرائيل، وصلنا إلى طريق مسدود، الأمر كله مختلق، لم نجد دليل واحد يؤكد وجودنا التاريخي على هذه الأرض، فنحن لم نهاجر إلى مصر، ولم نرحل إلى هناك اطلاقاً، ولم نجد أي ذكر لأسم داؤود وسليمان هنا، ولم نجد نجمة داؤود، ولا الشمعدان المقدس، الباحثون والمختصون يعرفون هذا الشيئ جيداً، ولكن العامة لا تعرف أننا في المكان الخطأ أو أن كل ما ورد في التوراة عن الملك داؤود وسليمان هو مجرد خرافات وأساطير ” .
هذان الكيانان المخترعان ” إسرائيل وإيران ” قبل عام 1935، لم يكن هناك شيئ أسمه إيران لا في التاريخ ولا الجغرافيا ولا حتى في الشعر .. إيران اختراع بريطاني، والكيانان يمثلان بؤرة فساد سياسي وثقافي في منطقة ترفضهم، ولا يمتلكون لغة سياسية معها، تخادنوا مع القوى العظمى يضربون جدران المنطقة وسكانها، ولكن مع التغيرات في موازين القوى، ولكن مهلاً .. سيتغير كل شيئ ..
في اللغة الألمانية مصطلح يستخدم بهذه المناسبات (Planmäßig ) ومعناه بالعربي (حسب الخطة) وبالانكليزية (according to plan)، ولكن يبدو أن الخطة قد أصابها العطب ما في أساسها بما يهدد الهيكل كله …! العطب يحتمل أن يكون ذاتياً، من صلب الكيانين، أو موضوعياً بسبب التفاعلات على مسرح السياسة الدولية، أو كلاهما ..!
قواعد اللعبة مرشحة كلها للتغير … اليهود ليسوا جميعاً صهاينة …والإيرانيون ليسوا جميعا صفويون … والشيعة العرب هم شيعة عرب ليسوا بصفويين ولا على مذهب ولاية الفقيه ..! كفى دور وقود التنور … حلوا عن ظهورنا ..! يوماً سيصحى الناس من حلم مزعج … أن كل ما شاهدوه من المسلسل الدموي المرعب …. غزة … بيروت .. غزة … بيروت … وصور مؤطرة بالاشواك والدماء، لأطفال ونساء وصبايا, وجوه نظرة شابه في صور نعي لشهداء … هذا كله كان فلما تلفزيونياً .. المهم أن القتلى عرب .. ومسلمين، فالمخرج الأعظم ليس سخيفاً ليفرق بين (س) و(ش) …

قال احد الحكماء يوماً
بوسعك أن تخدع بعض الناس لبعض الوقت
وبوسعك أن تخدع لبعض الوقت كل الناس
ولكن من المستحيل أن تخدع كل الناس لكل الوقت….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *