بقلم: صلاح المختار
قررت شبكة تويتر حذف حساب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومنعه من التواصل مع أكثر من تسعين مليون شخص يتابعونه على هذه الشبكة، ومن الطبيعي ان يطرح اكثر من سؤال حول هذا القرار ومنها : هل حقا ان شركات خاصة تملك الانترنيت اقوى من امريكا ورئيسها ام انها ليست مجرد شركات خاصة؟ واذا لم تكن مجرد شركات خاصة فما هو دورها الحقيقي في عالم يشهد اخطر صراعات القرنين الاخيرين؟ للاجابة من الضروري مناقشة بعض الافكار الجوهرية التي توصلنا للحقيقة التي تخفى عمدا:
1-ان الشركات التي تملك الانترنيت بكافة برامجه هي شركات خاصة بالشكل الرسمي ولكنها في واقع الممارسات تمثل الان قوة جبارة ولدتها ضرورات النظام الرأسمالي الامريكي وهو يتراجع تحت ضغط ازمته البنيوية وضغوطات منافسيه وخصومه، فهي المنتج الاخير والاهم لادوات الرأسمالية ولم يظهر ويسيطر على العالم الا نتيجة خطة مسبقة وضعت لبقاء السيطرة الامريكية على العالم وان كانت بطريقة مختلفة بعد فشلها الذريع في تحقيق ذلك بوسائلها التقليدية ، لذلك فان الرأسمالية الامريكية وهي تواجه الاحتضار وقبل موتها السريري اطلقت الانترنيت ليكون سلاحها الجبار الذي يغير العالم تدريجيا ودون الانتباه لزحف تلك السيطرة الا بعد فوات الاوان ونجاحها في تغيير انماط تفكير اجزاء من سكان العالم بصورة تامة بعد غسل ادمغتهم تدريجيا.
فالشركات الخاصة المسيطرة على الانترنيت هي خاصة بمعنى ان من انشأها افراد ولكنها صارت قوية وتؤثر فظهر انها جزء من منظومة ولدت بطريقة تختلف عن أليات الرأسمالية التقليدية، فهي لم تولد كثمرة لنمو رأس المال تدريجيا وفي السوق بل هي نتاج تخصص تقني لافراد كانوا فقراء او من الطبقة الوسطى لكنهم امتلكوا الخبرة الفنية التي مكنتهم من ابتكار ادوات وبرامج تواصل بين الناس بصورة سريعة وواسعة مما ادى الى تحول الانترنيت من شبكة واسعة فقط تؤثر مثل بقية المؤثرات الى شبكة عالمية تضم مليارات البشر وتتحكم في اذواقهم وطرق تفكيرهم اكثر مما حققت اي طريقة او نظام او فلسفة سابقة لها ،فتجاوزت هولي وود بمن يقع تحت تأثيرها والتي كانت اهم ادوات تغيير الناس ثم تبعها التلفزيون الذي وصفه الخبير الامريكي شفارتز ب(الاله الثاني) واخيرا الانترنيت الذي ساد على كافة ادوات التأثير الرأسمالي.
وهنا نرى السبب الذي مكن النخبة التكنوقراطية من التوسع في ثرائها وسيطرتها وتحولها من مجرد فرع تابع الى قوة جبارة نجحت في ازاحة النخب الرأسمالية التقليدية من عرشها، في الدور الميداني ، بعد ان قبلت الاخيرة مرغمة بجلوسها على العرش وتسلمها لزمام قيادة ميادين العمل في مجال السيطرة على البشر ولكن بنعومة الافعى ـ ودعمتها لانها تملك سلاحا اكثر تأثيرا وهو الانترنيت ببرامجه الجماهيرية. لم تكن صدفة ان من اسسوا المعلوماتية هم فراخ روتشيلد ومورجان وروكفلر ، رموز الرأسمالية التقليدية، وان كانوا ليسوا من نسلهم بل قبلوا بهم ودعموهم في تولي القيادة الميدانية بعد ان شاخت تلك الاسماء والشرائح ، فظهرت اسماء لامعة وجديدة في عالم رأس المال مثل بيل جيتس وهو رجل أعمال ومبرمج أمريكي ولد في عام 1955 . أسس عام 1975 شركة مايكروسوفت وقد صنع ثروته بنفسه المقدرة بحوالي 90 مليار دولار . ومارك زوكربيرغ الذي ولد في عام 1984 وهو مبرمج أميركي، اشتهر بتأسيسه موقع فيس بوك ، وهو أكبر موقع تواصل اعلامي في العالم، وتبلغ ثروته حوالي 70 مليار ،وايلون موسك تبلغ ثروته ما يقارب 185 مليار دولار وهو أغنى رجل بالعالم حالياً وصاحب شركة تيسلا موتورز وسبيس إكس.
جيتس وزوكربيرغ تخصصا في انشاء المعلوماتية وتوسعها وموسك تخصص في بحوث الفضاء وصناعة سيارات كهربائية وتطوير شرائح نانوية تزرع في المخلوق الحي وتؤثر على عقله وسلوكه وجربها على الخنازير مؤخرا وتمكن من التحكم في سلوكها ،وهؤلاء الثلاثة مجرد نماذج لجيل جديد ظهر بعد انهيار الاتحاد السوفيتي واطلاق المعلوماتية بكل ما حملته لنا من اختراعات وابتكارات كانت بمعظمها مخفية عن البشرية .
وهذا التحول النوعي في ادوار شرائح الرأسمالية الامريكية ادى الى ظهور عالم مختلف يتجه بقوة نحو تحطيم الاسس السياسية التي قامت عليها الر|أسمالية اصلا وتأسيس قواعد عمل مناقضة لسابقاتها،ومعركة امريكا الحالية بين ترامب وبايدن تعبر عن هذا التناقض بطريقة ما ، بين شريحة ترسملت حديثا وتفوقت واخرى قديمة شاخت و(شخت) على نفسها.
2-ومن بين ما تتميز به تلك الظاهرة التقليص المتسارع للدولة الليبرالية وهي اصلا ضعيفة ولايتعدى دورها دور الشرطي الذي يحمي (السوق)، فالليبرالية التي كانت اطارا سياسيا للراسمالية اثناء فترة صعودها وشبابها وحققت لها مكاسب نوعية لم تعد في مرحلة الكهولة تصلح فتراجعت الرأسمالية في ساحة المنازلة مع القوى التقدمية وظهرت “النيوليبرالية” التي تهدف الى انهاء سيطرة الدولة على الاقتصاد وتسلم القطاع الخاص له، وهنا نرى دور شريحة نخبة المعلوماتية . ان هذا التطور وان كان جزء من الرأسمالية منذ ظهورها الا انه في مرحلة الكهولة ودخول مرحلة احتضار الراسمالية تحول الى نظام يزداد ضراوة ويتجه بقوة للاجبار منهيا مرحلة حرية السوق التي قامت عليه الرأسمالية وفارضا ممارسة العنف بكافة اشكاله داخليا وخارجيا.
3-بعد تزايد هزائم الرأسمالية التقليدية امام الاشتراكية ورأسمالية الدولة ورغم زوال الاتحاد السوفيتي واتاحة الفرصة للرأسمالية الامريكية كي تسيطر بقوتها التقليدية الا انها فشلت فكان مطلوبا ان تواصل الرأسمالية سيطرتها على الاقتصاد العالمي ولكن ذلك فرض عليها ان تغير النخبة التي تقود عملية تغيير العالم وان تدعم نخبة جديدة صاعدة، هي نخبة المعلوماتية ، والتي تتبنى ستراتيجية ناعمة لكنها اشد فتكا من سم الافعى ، لكي تتصدر عملية السيطرة على العالم ، فحلت نخبة المعلوماتية محل النخبة التقليدية التي فشلت، واخذت النخبة الجديدة تقود معركة الهيمنة على العالم كله، متخفية تحت جلد ناعم ولا صلة ظاهرية له بالنظام الرأسمالي التقليدي ولا بالصراع الطبقي المعروف لانها تتعامل مع كافة الطبقات والاعمار والامم. واختفى الصراع الطبقي تحت السطح وحل محله صراع السيطرة على العقول والنفوس وغزوها اولا ، وهذا هو حصان طروادة الاخير للرأسمالية الامريكية .
4-الهدف الرئيس من تصدر نخبة المعلوماتية قمة الهرم الرأسمالي الان هو انقاذ الرأسمالية حتى لو طعمت بفئة جديدة شابة وفعالة ، لاجل تعزيز قبضتها على العالم ومنع انهيارها، فالرأسمالية التقليدية ماتت سريريا بعد ان فشلت في السيطرة على العالم عقب زوال الاتحاد السوفيتي وانحط تأثيرها الايديولوجي والنفسي والاقتصادي واخذت الصين تتفوق عليها تكنولوجيا واقتصاديا بينما تفوقت روسيا عليها في مجال التسلح وهو مصدر الربح الاكبر للرأسمالية الامريكية ، فكان كل ذلك انذار بخطر زوالها، واصبح خيار الحل التكنولوجي هو الوحيد المتاح لها لانه يملك وسائل السيطرة على مليارات البشر وهو المطلوب.الحل التكنولوجي يضمن تحديد خيارات الناس بقوة المعلوماتية واداتها الرئيسة الانترنيت حتى في الاكل والنوم وطريقة غسل الجسد ! وهذا مكسب جوهري لنظام اقتصادي اجتماعي مات سريريا.
5-فالنخبة الجديدة ليست مشروعا فرديا في واقعه وممارساته كما يشار اليها بل هي امتداد لنظام رأسمالي مات سريريا فاعتمد عليها لانها تتميز بعدة سمات تناسب الرأسمالية منها انها تفتقر للنزعة الانسانية الضعيفة جدا لديها،فهي بلا مشاعر وتبدو مثل روبوت بقدر ما هو ناعم الملمس فهو صلب وعند عمله يحطم الحواجز بلا رحمة ! لهذا فاننا نرى جيل المعلوماتية يسحق كل اثر للانسانية في كافة مجتمعات العالم عندما يحول الانسان الى مجرد رقم يزرع فيه بذور عبودية شيطانية بصورة لم يسبق لها مثيل في اشد مراحل تطور الجنس البشري بواسطة الموبايل واللاب توب وغيرهما ! بل ان النخبة الجديدة لاتتورع عن اختراق ماكان محرما حتى على العلماء وهو كسر رموز الجينات والتلاعب فيها كي تبقى مسيطرة، وبانتهاء الرأسمالية تنتهي النخبة الجديدة لانها في الواقع فقاعة عابرة في تاريخ البشرية مثل اي فقاعة اخرى، تماما كما نرى الان ادوات تسلية تكنولوجية تبهر الناس بالعابها الخطيرة لكنها تجر الناس جرا لتجربتها فيبدو البشر مجرد رقم تحركه رغبات مصطنعة لكن هذه الرغبات سرعان ما تنطفأ وتحل محلها رغبات اخرى وغالبا مصطنعة!يتبع.