الرئيسية / عالمي / أوباما لترامب : «نحن نزرع الشوك»!

أوباما لترامب : «نحن نزرع الشوك»!

«نحن نبذل كل ما بوسعنا لإقناع الناخب .. وهو يختار.. ربما لا يعجبنا اختياره، ولكن هذه هى الديمقراطية، وعلينا أن نسلم بنتائجها ونتعاون من أجل نجاح المرشح الفائز من أجل بلادنا».

كلمات مؤثرة أسر بها الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما قلوب أنصاره ومتابعيه فى مختلف أنحاء العالم.

ولكن يبدو أن هذه الكلمات تبقى مجرد كلمات لا يعمل بها قائلها، فبدلا من أن يسعى أوباما لدعم الرئيس المنتخب دونالد ترامب، الذى لم يحظ يوما بتأييده، تحول إلى أكبر عائق فى طريقه.

فتحركات إدارة أوباما المثيرة للجدل خلال الأيام الماضية، وخلق العداوات السياسية غير المتوقعة مع إسرائيل، والتصعيد مع روسيا، تكشف عن النزعة الانتقامية الديمقراطية التى لم يفلح أوباما وإدارته فى إخفائها رغم ادعاءات التحضر الواهية التى فشلت فى الصمود حتى نهاية ولاية أوباما.

لم يخف على أحد حالة الوجوم والصدمة التى سيطرت على المعسكر الديمقراطي، بمجرد إعلان نتائج المعركة الانتخابية لصالح ترامب.

فللمرة الأولى على الأرجح، تطغى حالة الصدمة على البروتوكولات السياسية المتعارف عليها، فصورة موظفى البيت الأبيض وعلامات الحزن تعلو وجوههم، التى انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد هزيمة المرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون كانت أبعد ما تكون عن الحياد.

وتجلى الحزن الديمقراطى لدى استقبال أوباما لترامب للمرة الأولى فى البيت الأبيض كرئيس منتخب، حيث افتقر اللقاء لعلامات الترحيب التقليدية من الرئيس المنتهية ولايته للرئيس الجديد، بغض النظر عن اختلاف انتماءاتهما السياسية، فلم تكن هناك صور تذكارية على أبواب البيت الأبيض، وخيم الكثير من الصمت والوجوم على اللقاء.

وسرعان ما تحول الحزن الديمقراطى إلى غضب، خاصة فى ظل تصاعد الآمال فى احتمال التأثير على المجمع الانتخابي، فما كان من أوباما وهيلارى إلا أن وجها كلمات التشجيع الضمنية للمتظاهرين المناهضين لترامب لمواصلة احتجاجاتهم وتظاهراتهم بهدف تغيير النتائج، ولكن فشل هذه المساعى أصاب الديمقراطيين بحالة من عدم الاتزان السياسي، فى سابقة تاريخية غير متوقعة، فلم تتمالك إدارة أوباما نفسها، وبدأت فى تفخيخ طريق الرئاسة فى وجه الرئيس الجمهورى المنتخب.

وبغض النظر عن الحزب الفائز فى الانتخابات الأمريكية أو الرئيس المنتخب، فهناك ثوابت سياسية أمريكية لا يمكن انتهاكها على رأسها حماية إسرائيل ودعم سياساتها الاستيطانية، بل والدفاع عنها فى المحافل الدولية وحمايتها من أى محاولة لتقويض سيطرتها أو نفوذها فى المنطقة، وكان هذا «التابو» أكبر اختراق ترتكبه إدارة أوباما.

فعلى الرغم من الشقاق، والعلاقات المتوترة التى جمعت بين إدارة أوباما وحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو على مدى السنوات الثمانى الماضية، فإن الرئيس الديمقراطى حرص دوما على تأكيد أن أمن وسلامة إسرائيل جزء لا يتجزأ من الأمن القومى الأمريكي.

وسواء أكان خطاب جون كيرى وزير الخارجية الأمريكى المعادى لإسرائيل، والذى أعقب موقف واشنطن المناهض لبناء المستوطنات داخل مجلس الأمن، نابعا عن قناعة حقيقية أم لا، فإن اتخاذ مثل هذا الموقف فى هذا التوقيت تحديدا ما هو إلا محاولة لزرع الشوك فى طريق العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية فى عهد ترامب.

خرج أوباما عن المألوف عندما اتخذ موقفا معاديا لإسرائيل، وعندما اتخذ قرارا مفاجئا بطرد دبلوماسيين روس من واشنطن، كإجراء عقابى بناء على ادعاء ديمقراطى بتلاعب موسكو فى نتائج الانتخابات الرئاسية، وهو الادعاء الذى فشلت المخابرات الأمريكية وكافة أجهزة الأمن فى تقديم دليل واحد يؤكده، فبدا الأمر كما لو كان أوباما وإدارته ومن خلفهما الحزب الديمقراطى يسابقون الزمن للانتقام من كل من تخلى عنهم وتسبب لهم فى هذه الهزيمة التى أفقدتهم التوازن.

ولم يكتف أوباما بتفخيخ علاقات أمريكا الخارجية، ولكنه سعى أيضا لإرساء سياساته وأيديولوجياته على الصعيد المحلى لتصبح قانونا كونيا يصعب على ترامب وإدارته معارضته، فقد حظر استخراج البترول من سواحل الأطلنطي، ووضع قواعد بيئية جديدة لدعم سياساته المناخية، كما سعى لتوفير أقصى حماية ممكنة لدعم التمويل لعيادات الأسرة، وأصدر أوامر عاجلة لنقل معتقلى جوانتانامو.

ولم يقف أوباما عند هذا الحد، لكنه عين أكثر من 103 موظفين حكوميين فى مختلف المناصب والهيئات الفيدرالية الهامة خلال الأسابيع القليلة التى تلت الانتخابات، كما مضى قدما لاتخاذ إجراءات استثنائية للإفراج عن تجار المخدرات الذين لم يتورطوا فى جرائم عنف، هذا إلى جانب مساعيه اليائسة لحماية برنامج «أوباما كير» للرعاية الصحية والتى أصبح تغييرها أمرا شبه مؤكد مع سيطرة الجمهوريين على الكونجرس بمجلسيه.

بالتأكيد، الرئيس الجديد لديه من الصلاحيات ما يمكنه من تغيير وتعديل هذه القوانين، ولكن ذلك سيستهلك منه الكثير من الوقت والجهد، وسيتطلب منه إسقاط واتخاذ الكثير من القرارات والإجراءات، وهو آخر ما يحتاج إليه ترامب فى بداية ولايته فى مواجهة أعدائه الذين يترقبون فشله ويتربصون له لرصد أخطائه.

لا يمكن لأحد أن ينكر على أوباما ما حققه من إنجازات تاريخية فى الاقتصاد الأمريكي، فقد تولى الرئاسة فى توقيت تشهد فيه أمريكا والعالم كله واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية فى التاريخ، ولكنه نجح فى العبور ببلاده من عنق الزجاجة بأقل الخسائر، كما شهدت فترة ولايته الكثير من الجدل، ولكنه فى النهاية كان يمثل الصورة المثالية للرئيس الأمريكي، ومع ذلك، يبدو أن الحفاظ على هذه المثالية صعب، فقد غلبت عليه مشاعر العداء وعدم الثقة فى خليفته الجمهوري، لينهى ولايته بزراعة الشوك فى طريق ترامب .. فهل سيغفر له التاريخ ذلك؟

 

2017-636194179664110510-411

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *